مـعـلـم في الأرياف : "الـبـوط والكبـوط" و أشـيـاء أخـرى
موقع الوظيفة العمومية للدعم و المساعدة :: منتدى الوظيفة العمومية :: قسم استفسارات المترشحين للمباريات العمومية :: المترشحين لمباريات المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
مـعـلـم في الأرياف : "الـبـوط والكبـوط" و أشـيـاء أخـرى
زاوية يكتبها الزملاء الصحافيون والمراسلون بالتناوب ترصد واقع التدريس بالعالم القروي من خلال شهادات حية لمدرسين ومدرسات ينحتون الصخر لإنجاح هذا الشيء الذي اسمه "مدرسة النجاح"..فتحية لهم ولهن.
كثيرة هي الصعوبات والمعيقات والمقالب التي تعترض حياة المدرسين بالعالم القروي. تتعدد وتتنوع وتتوزع بين المضحك والمبكي في آن واحد. يتذكر أحمد الذي اشتغل بسلك التعليم مدة خمس وعشرين سنة العديد منها. في يوم من أيام دجنبر من سنوات التسعينات، كانت السماء غائمة والرياح قوية. استيقظ كعادته مبكرا تناول طعام فطوره وبدأ يرتدي لباس العمل. سروال تحتي يقيه من تسرب البرد القارس وسروال فوقى سميك وقميص قطني وآخر صوفي وفوقهما معطف خشن (كبوط). جوربان وحذاء بلاستيكي (بوط) يصل إلى الركبتين لتفادى غرق الرجلين في الوحل "الغيس". وضع أحمد طاقيته الصوفية وفوقها ثلاثة امتار من الثوب الأسود لف به رأسه ووضع نظارتيه الكبيرتين في جيب معطفه. خرج من بيته حاملا محفظته وتوجه عند زميله في المدرسة.
توجها معا إلى المحطة. اعتاد أحمد وزميله استعمال دراجتهما النارية للتنقل إلى المدرسة التي تبعد عن مقر سكنهما بحوالي 15 كيلومترا، لكن في الأيام المطيرة يستحيل عليهما ركوبها لارتفاع نسبة الخطورة. الأوحال والأمطار وانعدام الرؤيا والرياح القوية التي تعيق تحرك الدراجة النارية والسرعة المفرطة لمستعملي الطريق، كلها أشياء تزيد من احتمال وقوع حوادث سير.
يتفادى أحمد وزميله عبد الله ركوب الدراجة النارية. انتظرا قليلا بمحطة الطاكسيات دون أن يتمكنا من إيجاد واحدة تقلهما إلى الدوار. تحركا من مكانهما في اتجاه مقر البلدية. مرت سيارة من الحجم الكبير، توقفت بعدما رفع عبد الله يده للسائق. إلى أين سأل صاحب السيارة عبد الله.
ركب الأخير ولم يجبه إلا وهو داخل السيارة، فيما تبعه زميله أحمد. بدأت الامطار تتهاطل. كانت الريح تصفر وتحدث صريرا داخل بطن السيارة التي تبدو مهترئة. لم يعر الصديقان أهمية لذلك فهما يرتديان ملابس واقية ومهيأة لمثل هذه المواقف والظروف. واصل السائق سير بتؤدة، كان يعرف جيدا قدرات سيارته محافظا عليها مخافة تعرضها لأعطاب ميكانيكية قد تكلفه الشيء الكثير.
كان أحمد يفكر في تلامذته ويتساءل بينه وبين نفسه، ترى هل يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة في هذا الجو المكهرب؟. كان يعلم أن العديد منهم لن يتمكن من الخروج تحت هذه الأمطار الغزيرة والرياح القوية للذهاب إلى المدرسة. ومع ذلك كان مضطرا هو للذهاب إليها. المسؤولون لا يعلمون ولا يقدرون المتاعب التي يتعرض لها المدرسون. هم معذورون لأنهم لم يألفوا الاستيقاظ مع السادسة صباحا والتوجه إلى المدارس بالقرى والمداشر في أجواء تغيب فيها وسائل النقل. المسؤولون تعودوا على الاستيقاظ متأخرين، يتناولون طعام فطورهم على مهلهم، يستقلون سياراتهم ويتوجهون إلى مقرات عملهم، حيث الكراسي الفاخرة ومكيفات الهواء المنعش وربطات العنق وملمع الأحذية وأكواب البن الساخنة وكؤوس الشاي الدافئة.
ألم يقل منتقد أحمد شوقي يوما في رده على نعت المدرس بأنه "كاد أن يكون رسولا"، حيث قال: "لو جرب شوقي التعليم ساعة لقضى العمر كله خمولا". لو خرج المسؤولون مرة إلى القرى والمداشر والجبال للوقوف على معاناة رجال ونساء التعليم، لقدموا استقالتهم من التعليم.
لنعد إلى السيارة وإلى رحلة أحمد وعبد الله اليومية. اقتربت من مكان النزول. الحقول تبدو سوداء بسبب الغيوم والأمطار الغزيرة واحتجاب الشمس. طلب أحمد من السائق التهيؤ للتوقف جنب الطريق. رق لحالهما وتساءل عن سبب خروجهما في هذا الوقت. "جئنا لمعاينة حقل البطاطس اشتريناه البارحة". أجابه أحمد ونزل من السيارة. تبعه عبد الله وهو يضحك قبل أن تغوص رجلاه في الوحل.
أحمد ذو الرشاد (الجديدة ) الصباح
مواضيع مماثلة
» مـعـلـم في الأرياف: عندما سقط "المفتيس في الغيس"
» مـعـلـم في الأرياف : تازناخت...أو "الطريق إلى كابول"
» مـعـلـم في الأرياف : تازناخت...أو "الطريق إلى كابول"
موقع الوظيفة العمومية للدعم و المساعدة :: منتدى الوظيفة العمومية :: قسم استفسارات المترشحين للمباريات العمومية :: المترشحين لمباريات المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى