معلمات عصريات يُحدثن ثورة هادئة في قرى المغرب العميق
موقع الوظيفة العمومية للدعم و المساعدة :: منتدى الوظيفة العمومية :: قسم استفسارات المترشحين للمباريات العمومية :: المترشحين لمباريات المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
معلمات عصريات يُحدثن ثورة هادئة في قرى المغرب العميق
بين عامي 2000 و2009، تم تعيين 53705 مدرس جديد من خريجي مراكز التكوين في مختلف أسلاك التعليم المغربي... أكثر من ثلثيهم في التعليم الابتدائي. معدل سن معلمي الابتدائي 21 سنة، طبعا تشغل الدولة صغار السن في الجيش والتعليم ليخدموها أطول فترة ممكنة ... الجديد أن أكثر من نصف مدرسي الابتدائي معلمات في عمر الورد. وقد تركزت التعيينات في جنوب المغرب وفي المناطق الجبلية التي وصلتها المدرسة لأول مرة خمسين سنة بعد الاستقلال.
في هذه المناطق، تسود تقاليد محافظة، تمنح للرجال هيبة ونفوذا... فهم يملكون وسائل الإنتاج، حتى لو كانت حقلا من مائتي متر مربع ومعزتين وحمار لا يزيد علوه عن متر... يملكون أيضا سلطة ما يحق للمرأة وما يحق لها... هنا تتزوج البنت قبل سن الخامسة عشرة، فتحطب وتطحن الذرة وتطبخ وتجمع التمر وتحش البرسيم للماعز. كل هذا والزوج مستلق تحت النخلة يستمع للراديو وينتظر الذهاب إلى السوق الأسبوعي، يركب الحمار وتتبعه زوجته على بعد خمسة أمتار. في سن الأربعين تتدهور صحة الزوجة بينما يصبح الزوج كامل الرجولة فيبحث عن زوجة ثانية... تخدمها الزوجة الأولى...
فجأة تعرض هذا النظام لهجوم، جاءت عشرات المعلمات للقرى، عزباوات متحررات لأنهم مستقلات اقتصاديا، لديهم مصدر لا سلطة للقبيلة عليه، ينفقن أكثر من أصحاب الشوارب في القرية... تربين في المدن وتشربن أخلاقيات البرجوازية الصغرى في المدرسة العمومية، ينمن حتى العاشرة صباح الآحاد... يلبسن سراويل الذكور ويتجولن... الجينز مصمم على مقاس الأفخاذ وهو يخدش الحياء العام القروي...
لقد حصلت ثورة في القرى بسبب الأجساد البضة الطرية، هذا ليس جديدا على سكان المدن المضاءة ليلا... لكنه جديد في قرى المغرب العميق... هناك يشعر الرجال بالقلق على العرف السائد، يخشون أن تقلد نساؤهم المعلمات المتحررات في اللباس على الأقل... معلمات يمتزن بصغر السن... للجسد سلطة رهيبة على العقل، يعطله، هذه فكرة لدوستويفسكي في روايته الرائعة "الممسوسون"، وآخر مثال يؤكد ذلك تغزل وزير الإعلامي بالمذيعة الساخنة التي ارتدت الأحمر لتحاوره فأصغى لها وصدره مفتوح كما قال...
طبعا بتعيينها لصغار السن تؤجل الدولة إفلاس صناديق التقاعد... وليس المهم أهلية صغار السن للتدريس... المهم كان المعينون الجدد في استقبال أكثر من مليون تلميذ جديد التحقوا بالمدرسة المغربية، بين عامي 2000 و2008. وقد استدعى ذلك تعيين آلاف المعلمين والمعلمات، وبما أن الشمال يعرف فائض مدرسين فأغلب التوظيفات الجديدة جرى توجيهها للجنوب... في إقليم طاطا حيث كنت أعمل، وهو على الحدود المغربية الجزائرية، قريبا من تيندوف، كان الموظفون العزاب يشتكون من مدينة دون نساء عصريات، مدينة صغيرة مجرد جدران مجمعة في مكان واحد... وفجأة جرى تعيين 400 معلمة دفعة واحدة في سبتمبر 2002. كان الحدث زلزالا عاطفيا، تزوجت منهن 100 في شهر واحد ثم بقي فائض العزباوات... وقد تزايدن مع توالي السنوات. حتى الجنود، المرابطون على الحدود مع العدوة الشقيقة الجزائر تزوجوا معلمات في هذه المنطقة... وهو ما يصعب على جندي في العاصمة.
في بداية الاستقلال، ولسد الخصاص في المدارس تم تعيين فقهاء المساجد من حفظة القرآن كمعلمين. كانت المعلمات نادرات حينها. الآن يتخرج المعلمون والمعلمات من مراكز التكوين، انتقل العدد من 1453 متخرج سنة 2008 إلى 2431 سنة 2011. وقد وصلت نسبة المعلمات في بين مدرسي التعليم الابتدائي 46٪.
في 2009 كان عدد العاملين بالتعليم الابتدائي 127823 وبلغ عدد النساء بينهم 56062 معلمة. في 2012 صار عدد العاملين 127100 بينما صار عدد النساء 56574. التلاميذ يتزايدون والمدرسون يتناقصون. ورغم انخفاض العاملين بالتعليم بسبب تقاعد الذكور فقد زاد عدد المعلمات. وسيتزايد هذا لأنه حسب مديرية الإستراتيجية والإحصاء والتخطيط في وزارة التربية الوطنية فإن 43% في المائة من المعلمين سيحالون على التقاعد في 2020. والجدد الذين سيعينون ستكون نسبة الإناث بينهم كبيرة. لأن التلميذات هن الأكثر تفوقا في الدراسة. والمغرب لن يقلص حظوظهن ليتفرغن للإنجاب كما في إيران.
ولهذا نتائج، عمليا يتم تشبيب وتأنيث المهنة، فتزايد نفوذ النساء. المثير هو أن هذا التأنيث يمس الفضاءات القروية التقليدية، التي لم يكن يسمح للجسد النسوي بالبروز فيها. ثم إن هذه التعيينان تجلب مدرسات من خارج البيئة المحلية، مما يقلص هيمنة "أولاد البلاد" - المنحدرين من نفس المنطقة، في قرى كثيرة يحمل المعلم والكثير من التلاميذ نفس الإسم العائلي - على هيئة التدريس وهذا يضعف نمط العلاقات القبلي، فيصبح الحق والقانون هو الضابط للعلاقات وليس العلاقات الدموية بين ابناء العم. فبدل أن يتستر مدير المدرسة عن تغيب معلم من أقاربه، يتعامل بصرامة مع الغرباء والغريبات. وبذلك يؤدي الصراع إلى فرض الانضباط في العمل والتقيد بالمواعيد في المؤسسة التعليمية.
وهذا يعدي بنات القرية أيضا، فحين تصل الشابة بنت العشرين بسروال الجنز وشعر منسدل على الكتفين وهاتف نقال لقرية تنقل نساؤها الحطب على الظهر مسافات طويلة كالدواب... ترغب بنات القرية في التشبه بالمعلمات ورجال القرية حائرون بين الإعجاب بين سيقان المعلمة في الجينز والقلق على توقف طاعة بناتهم ونسائهم اللواتي قد يفسدهن تقليد النموذج الوارد...
تريد بنت أن تسافر للمدينة مع المعلمة. يعرف الأب أن ابنته لن يأتيها عريس قروي لو سافرت للمدينة... ستكون قد تدنست. وفي هذا نوادر ذات عمق سوسيولوجي لا حصر لها.
أحيانا كثيرة يتم إبعاد المدرسة عن القرى. فبهدف جعل المدرسة بين القرى، وعلى نفس المسافة، تجد المعلمة نفسها بعيد عن السكان. تقيم في سكن وظيفي معزول. وهذا يريح من الاحتكاك. لكن العكس ليس مريحا للقرويين، ففي قرية وسط القرية، عين معلم ذكر، التنيجة رفض الآباء إرسال بناتهم إلى المدرسة بعد تعيين معلم ذكر ذكر أعزب في مدرسة القرية... وطالبوا بتعين معلمة... في مدرسة أخرى فصلتْ معلمة نواقض الوضوء لتلاميذها في درس التربية الإسلامية فجاء الآباء يحتجون لأن المعلمة تتحدث بقلة حياء... عندما ستصل درس التوالد لن تنجزه...
محمد بنعزيز - هسبريس
الأحد 25 نونبر 2012
موقع الوظيفة العمومية للدعم و المساعدة :: منتدى الوظيفة العمومية :: قسم استفسارات المترشحين للمباريات العمومية :: المترشحين لمباريات المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى