مساعدة - مباراة حراس الأمن-
موقع الوظيفة العمومية للدعم و المساعدة :: منتدى الوظيفة العمومية :: قسم الاستفسارات المترشحين للمباريات العسكرية :: المترشحين لمباريات التوظيف بالادارة العامة للامن الوطني - Concour De Police
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
عميد المستقبل- المشاركات : 317
نقاط : 48406
الجنس :
المدينة : CASABLANCA
العمر : 39
العمل/الترفيه : جامعي
التسجيل : 26/01/2012
رد: مساعدة - مباراة حراس الأمن-
mobarat horass l 2amn rah taykono des sujet 3andhom 3la9a b modawanat sayr et l7awadit toro9iya ... la corruption, l hijra siriya
kadhima- المشاركات : 87
نقاط : 45487
الجنس :
المدينة : oued zem
العمر : 34
التسجيل : 21/07/2012
kadhima- المشاركات : 87
نقاط : 45487
الجنس :
المدينة : oued zem
العمر : 34
التسجيل : 21/07/2012
رد: مساعدة - مباراة حراس الأمن-
المقدمة:
إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها في الخطاب الملكي المؤرخ في 18 ماي 2005، بالإمكان اعتبارها حدثا مجتمعيا له أكثر من دلالة، سواء على المستوى السياسي، الاقتصادي أو الاجتماعي.
فعلى المستوى السياسي، فإن حدث المبادرة أصبح البرنامج السياسي الرسمي المطلوب من الفاعل السياسي التعامل معه بإيجابية، لأنه يشكل المقياس الموضوعي للاهتمام بإشكالات المعضلة الاجتماعية بالمغرب.
وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي فإن السياسات العمومية المعتمدة اتسمت بالمحدودية، وبتعدد الفاعلين العموميين خاصة في المجال الاجتماعي، وكذا تعدد اشكال التدخل والدعم مما أفضى إلى محدودية في النتائج وهدر للطاقات والموارد.
وعلى المستوى المجتمعي فنظرا للنقص الحاصل على مستوى المؤشرات الاجتماعية التي طالت ميادين متعددة أصبح معهما خارج برنامج متكامل ومتناسق وشمولي، ومؤسس على مقاربات حديثة ضرورة ملحة لمطامح مجتمع، أصبحت فيه البطالة والفقر والتهميش والاقصاء والأمية وهلم جرا بشكل كبير.
"لقد جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كرهان للتأهيل المجتمعي على أساس مرجعي مفاده "أن الإنسان هو أثمن راسمال في التنمية"، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة التعرض لمختلف الجوانب المؤسسة لها، بدءا من مفهومها المرجعي؟ وسياقاتها الخارجية والداخلية؟ ومرتكزاتها وآليات تفعيلها على أرض الواقع؟
ومن خلال هذه التوطئة ارتأينا ان نتناول الموضوع الذي بين أيدينا وفق تصميم ومنهجية علمية على الشكل التالي:
بحيث سنتناول في مبحث أول، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية السياق العام، في مبحث ثان سنخصصه للوسائل والآليات الممكنة لتفعيل المبادرة.
المبحث الأول: السياق العام للمبادرة الوطنية
للتنمية البشري:
يستدعي التعرف على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وضعها في السياق العام الذي برزت فيه، وهذا الأمر يبقى محكوما بمستويين، مستوى خارجي، أو الدولي ثم مستوى وطني أو الداخلي، كون أن مختلف الظواهر السياسية الاقتصادية والاجتماعية رهينة بهذين المستويين، لأن مسالة الفصل بينهما أمر في غاية الصعوبة، لذلك فان المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هي الآخر لا تخرج عن التأثير المتبادل بين كل من المعطى الخارجي والمعطى الداخلي، ولذلك ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين بحيث سنخصص (المطلب الأول) للسياق الخارجي للمبادرة وفي (مطلب ثاني) سنتناول فيه عناصر السياق الداخلي.
المطلب الأول: السياق الخارجي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
لقد كان مفهوم التنمية البشرية إلى حدود سنة 1990 قاصرا على ما يحصل عليه الإنسان أو الفرد من خدمات مادية، ولكن مع سنة 1990، أصبح مفهوم التنمية البشرية مرتبطا بالإنسان كصانع للتنمية وهدفا لها، وقد تبنى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لسنة 1990 مفهوم التنمية البشرية، حيث يقوم هذا المفهوم على "أن البشر هم الثروة الحقيقية للأمم وأن التنمية البشرية هي عملية توسيع اختيارات البشر" فكما أن التنمية البشرية مرتبطة بالوضع السياسي للإنسان المتمثل في الديمقراطية، فهي مرتبطة بوضعه الاقتصادي والاجتماعي كذلك.
وقد عرف مفهوم التنمية تطورا متدرجا من مفهوم التنمية إلى مفهوم التنمية المستدامة, الذي تبلور اثناء مؤتمر (ستوكهولم سنة 1972) الذي تناول البيئة وعلاقتها بالفقر وغياب التنمية في العالم، ثم جاءت بعدها حلقة (بلغراد 1975) التي دعت إلى تشجيع البحوث العلمية عن طريق التنمية المستدامة، ثم مؤتمر (تبلسي سنة 1977) الذي أكد على تطوير التعليم البيئي ثم (قمة البرازيل).
وبالرغم من رفع شعار " التنمية المستدامة " والتأكيد على دور البحث العلمي والتعليم في تحقيقها، فانه ظل قاصرا، إذ ظل معدل النمو الاقتصادي متذبذبا في مستويات متدنية. ولذلك فقد تمت بلورة مفهوم التنمية البشرية الذي ينطلق من العناية بالإنسان, وفق سياسات تنموية اجتماعية شاملة لجميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, لتحقيق الرفاهية والكرامة لكل الناس في إطار التنمية والديمقراطية وتحقيق العدالة الشاملة المرتكزة على مفهوم حقوق الإنسان وذلك كله في سياق الحفاظ على العنصر الطبيعي وترشيده.
وفي هذا الإطار جاء مفهوم التنمية البشرية، حيث عرفه تقرير التنمية البشرية في مطلع التسعينيات بأنه:
1-عملية توسيع لخبرات الناس بزيادة القدرات البشرية.
2-عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية, تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية الناس.
3-أن يعيش الناس حياة طويلة وصحية، وأن يكونوا مزودين بالمعرفة وأن يكون بإمكانهم الحصول على المواد اللازمة لمستوى معيشي لائق.
لقد اصبح موضوع التنمية البشرية يفرض نفسه كتوجه دولي، بحيث أصبح هاجس لدى مجموعة من القوى الدولية الفاعلة، حيث سار من الضروري توافق الأهداف الوطنية مع القواعد والأهداف الدولية, في جوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل أصبح ذلك يشكل أيضا التزاما وطنيا لدى المنظمات الدولية، خصوصا على مستوى الأمم المتحدة ومنطماتها الفرعية, مما سيجعل الوفاء بهذا الالتزام أمر لابد منه.
وعلى ضوء كل ما سبق يمكن القول بأن موضوع التنمية البشرية يجد جانبا من مرجعيته وقوة حضوره في المواثيق الدولية, سواء في الجوانب السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية.
إلا أن البعد الدولي للتنمية، لا يقلل مع ذلك من أهمية استحضار المعطيات الداخلية في التعاطي الجدي مع إشكالات المعضلة الاجتماعية، وستشكل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها في الخطاب الملكي في شهر ماي من سنة 2005 إطارا موضوعيا للتعاطي مع هذه المعضلة.
المطلب الثاني: السياق العام الداخلي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
لقد أثارت التقارير الصادرة حول التنمية البشرية, نقاشا داخليا واسعا بالمغرب حول مدى قدرة الأخير على مواكبة الازدهار والتطور الإنسانيين، وقد عمد المغرب منذ عدة سنوات إلى إخراج مجموعة من البرامج الاجتماعية التي كانت تهدف إلى الرقي بالمؤشرات الاجتماعية.
وتأتي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها بمبادرة ملكية بتاريخ 18 ماي 2005، كمحاولة لتجاوز آثار الإشكالية الاجتماعية في إطار مقاربات جديدة ومختلفة، وكبديل عن البرامج السابقة المحدودة التوجه، والتي لم تأخذ بعين الاعتبار متطلبات المجتمع الأساسية .
وقد حدد الملك أهدافها ومراميها، مجسدا روحها وفلسفتها واليات تنفيذها وأجرأتها في خطابه يوم 20 غشت 2005.
فقد اعتبر ترتيب المغرب ضمن المراكز المتأخرة في ترتيب برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية لسنة 2005 بتنموقعه في المرتبة 124 من بين 177 دولة وتصنيفه من ضمن الدول ذات تنمية بشرية متوسطة, بالمؤشر الرئيس للأزمة الاجتماعية التي تعيشها المغرب اعتبارا لعدة مقاييس منها :
1-متوسط العمر
2-مستوى التعليم
3-مستوى الدخل الفردي
4-كيفية توزيع الشروط
وقد ارتبطت المبادرة بسياق دولي يرتبط أساسا بالتزام المغرب بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية, من أجل القضاء على براثين الفقر والجوع من جهة، ومن جهة ثانية التزامه بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتعهد باحترام بنود إعلان 1948 لحقوق الإنسان.
وقد اعتبر تقرير الخمسينية بمثابة تنبيه إلى ما ستؤول إليه الأوضاع الاجتماعية خصوصا في السنوات المقبلة, إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة ومن بين الأسباب الداخلية نذكر منها:
-تدهور الأوضاع الاجتماعية وتتجلى في مجموعة من المؤشرات التي تتعلق بالأصعدة التالية:
1-هاجس المعرفة والمستوى المتدني للتعليم (الأمية 42.7%)
2-ارتفاع نسبة الفقر (14.3% يعيشون تحت عتبة الفقر)
3-تدني مستوى الصحة (الميزانية المخصصة لا تتجاوز 5.4%)
4-التصدي لآفة التطرف والإرهاب
5-النمو الديمغرافي السريع
6-النمو الاقتصادي المتوسط
وهذا الأخير يسجل عدم القدرة على الحاجيات الاجتماعية التي تتطور في ظل ارتفاع نسبة البطالة والإقصاء وعدم التستقرار الاجتماعي, الذي يؤدي إلى تفشي مجموعة من الظواهر الاجتماعية السلبية كالدعارة, والانحراف ومجموعة من الأمراض الفتاكة.
-عجز السياسات الاجتماعية التي كانت تتسم بسياسة الإنزال والابتعاد عن نهج الإشراك والانفتاح والإدماج، مما يجعلها بمثابة برامج تقليدية وقديمة، محدودة وفاشلة, تعتمد على سياسة الانعزالية وضعف التنسيق خصوصا بين القطاعات الوزارية.
وخلاصة لهذا المحور يمكن القول بأن النقص الحاصل على مستوى المؤشرات الاجتماعية التي طالت ميادين متعددة، أصبح معها إخراج برنامج متكامل ومتناسق وشمولي، ومؤسس على مقاربات حديثة ضرورة ملحة لمطامح المجتمع أصبحت فيه البطالة والفقر والإقصاء والتهميش والأمية متفشية بشكل كبير.
المبحث الثاني: الوسائل والآليات الممكنة لتفعيل المبادرة
الوطنية للتنمية البشرية:
إن البرنامجين العمودي والأفقي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية, واللذين يعتبران التجسيد الإجرائي لأهدافها العامة والمتمثلة بالخصوص في الرفع من مؤشر التنمية البشرية, والحد من آثار المعضلة الاجتماعية، يحتاجان في الواقع العملي لآليات ووسائل للتنفيذ والمتابعة والتقييم.
ويمكن القول بأن الأهمية الاستراتيجية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية, ترتبط بشكل أولي وأساسي بالآليات الموظفة لعمليتي التفعيل والتنفيذ، أما على مستوى المتابعة والتقييم، فإن جملة من الآليات والوسائل اعترف بها لكل المستويات والهيئات المتدخلة في أجرأة المبادرة، سواء أكانت سلطات عمومية (الحكومة والسلطات المحلية)، أو كانت ممثلة للمنتخبين والجماعات المحلية، أو كانت مكونة للمجتمع المدني، بما يفرضه ذلك من استحضار لدور كل من القطاع الخاص والنسيج الجمعوي.
وانطلاقا من كل هذا، فقد ارتأينا تناول هذا المبحث من خلال تقسيمه إلى مطلبين رئيسيين:
المطلب الأول: آليات ووسائل تفعيل المبادرة:
يرتكز تنفيذ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على آليتين رئيسيتين، وهما آليتي المقاربة التشاركية والمقاربة المندمجة، وإذا كانت المقاربة التشاركية آلية تجديدية في ثقافة تدبير السياسات العمومية للمبادرة الوطنية، فإن المقاربة المندمجة بالإمكان اعتبارها آلية توحيدية لمختلف المتدخلين المعنيين بتفعيلها.
الفقرة الأولى: المقاربة التشاركية:
بالإمكان تحديد الوظائف الأساسية للمقاربة التشاركية، حيث تتجلى في الوظيفة الديمقراطية والوظيفة البيداغوجية والوظيفة التدبيرية، فالاهتمام بالشأن العام والعناية به ليس حكرا على الدولة وأجهزتها المركزية والخارجية، بل إن أطراف أخرى تساهم بصورة أو بأخرى في صياغته والتأثير فيه، كالصحافة والأحزاب السياسية والمنتخبين، والنسيج الجمعوي والنقابات والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والثقافية ومن المجتمع المدني عموما.
إن تطبيق المقاربة التشاركية على المستوى المركزي, تعتبر مسألة أولية وسابقة, كونها مرتبطة بالالتزامات الدستورية والقانونية والسياسية، لكن التطبيق المأمول هو توسيع تطبيق المقاربة التشاركية على المستوى اللامركزي بشكل واسع وعلى جميع المستويات أثناء تطبيق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وذلك تجسيدا لمفهوم الحكامة اللامركزية.
كما أن تطبيق المقاربة التشاركية يعمل على الاستجابة لمطالب الساكنة في الرفع من مستوى أوضاعها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.
كما أنه في إطار الجمع بين " المقاربة التشاركية " و"مقاربة النوع" باعتبارها مطلبا ديمقراطيا لابد منه، يجب أن ينطلق من قناعة علمية ,أخلاقية بدور المرأة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، فتأهيل المرأة ثقافيا وعلميا واجتماعيا، واقتصاديا، هو تأهيل بدون شك للمجتمع، ومنطلق أساسي.
وبذلك فإشراك المرأة في لجان المبادرة ومشاريعها، يجب أن تحظى فيه المرأة بنوع من الندية في الرأي واتخاذ القرار والمتابعة والتفعيل والتقييم والتقويم.
وتكمن أهمية المقاربة التشاركية كذلك من الناحية البيداغوجية في فكرة مركزية وجوهرية، وهي أن العمل بالمقاربة التشاركية سواء خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو من خلال العمل التدبيري عموما، يؤدي مجموعة من الوظائف التربوية التأهيلية والوظائف التعليمية والتثقيفية.
ومن هنا يمكن القول بأن الإضافة النوعية للمبادرة تكمن في هذه المنهجية الجديدة للعمل، وأن ترسيخها في العقليات على مستوى الأفراد والجماعات هو الرأسمال الدائم الذي يمكن استخدامه في جميع مستويات التدبير التنموي ولو خارج المبادرة.
وعلى مستوى الوظيفة التدبيرية, فإنه عبارة عن عمليات تسعى إلى أهداف مأمولة وممكنة ومشتركة, تم تحديدها بتشارك مع السكان عن طريق تنظيم معقلن للموارد المالية والبشرية, وفق مناهج شفافة ومظبوطة, بوسائل ناجحة في تحديد الأدوار والمسؤوليات لكل المتدخلين والمستهدفين في إعداد وتنظيم ومتابعة المشاريع التنموية.
وصلاحية المشروع, من عدمها تبقى رهينة بوجود عدة مستويات منها:
1-قابلية انخراط السكان
2-درجة التنظيم والتضامن للساكنة
3-درجة كفاءة الجماعة المكلفة بالمشروع
4-درجة ضرورة إقناع الساكنة بالمشاريع الجديدة والغريبة عليهم
الفقرة الثانية: المقاربة المندمجة:
بالرجوع إلى الخطاب المرجعي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يمكن القول بأنه يقدم لنا شرحا متكاملا للمقاربة المندمجة حيث يؤكد على: "أن التنمية الفعالة والمستدامة لن تتحقق إلا بسياسات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل وتعبئة قوية متعددة الجهات، تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية".
ومن خلال هذا النص, يمكن تحديد المقاربة المندمجة في تعريف يجعلها عبارة عن " سياسات عمومية تندرج ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل وتعبئة قوية متعددة الجهات, وبالتالي فهي مقاربة تشاركية ضد كل المقاربات الانفرادية التي تعمل بمعزل عن القطاعات الأخرى" .
وتأسيسا على ما سبق، فالمقاربة المندمجة تقوم على ثلاثة وظائف وآليات رئيسية ويمكن سردها بشكل مختصر على الشكل التالي:
أ-وظيفة التخطيط المندمج:
تؤدي هذه الوظيفة هدفا استراتيجيا، يتجلى في تحديد المشروع المستقبلي بناءا على الرؤية المستقبلية الاستراتيجية المشتركة والشاملة، حيث يتم التعامل مع العملية التنموية تعاملا استراتيجيا، يرتكز على التخطيط العلمي الذي تندمج في صياغته جميع القطاعات المعنية.
كما أن أهمية التخطيط المندمج تكمن في التحكم في صيرورة العملية التنموية انطلاقا من التشخيص والإعداد، إلى التفعيل والمتابعة والإنجاز والتقييم والتقويم، وبالتالي فإنه يتيح في الأخير إمكانية المساءلة بناءا على تحديد دقيق للمسؤوليات المسبقة لجميع المتدخلين.
ب-وظيفة الترشيد المندمج:
تنطلق هذه الوظيفة من إحدى أهم خاصيات الحكامة, وهما خاصيتا الفعالية والكفاية، فالفعالية لا يمكن تحقيقها دون تكثيف الجهود والتدخل الشامل في العملية التنموية، وفق عملية مدروسة تندرج بدورها ضمن مخطط مدروس، تسمح بتخصيص شامل وواحد للموارد البشرية والإمكانيات المادية والمالية.
إن الاستغلال المشترك والمندمج، يضع الدولة من دون شك أمام ميزانية واحدة وليس أمام ميزانيات، كما أنه سيخفف على الإدارة من العبء البيروقراطي التنظيمي.
ج-وظيفة الرصد المندمج:
بحيث تحتاج العملية التنموية إلى رصد مستمر، ابتداءا وعملا وانتماءا، في مرحلة الإعداد على مستوى التشخيص والتحديد، ثم في مرحلة التنفيذ تحتاج إلى رصد مستمر تقييمي وتقويمي دوري، وهذه العملية تحتاج فريقا متكاملا ينظر لها من مختلف التخصصات .
المطلب الثاني: آليات متابعة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
لقد أوكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مجموعة من الأدوار لمختلف مستويات الحكامة من أجل إنجازها، شملت كلا من الحكومة والسلطات المحلية والمتدخلين والجماعات المحلية، وكذلك القطاع الخاص باعتباره حاضر ضمنيا، وكذا النسيج الجمعوي باعتباره ممثلا للمجتمع المدني عموما.
وقد عززت هذه الأدوار بمجموعة من الآليات المتابعة في إطار هياكل وبنيات ومخططات، تنتهي بعمليات التقييم, ثم التقويم الدائمين والمستمرين عبر مراحل دورية, تنطلق من بداية الإنجاز إلى نهايته، كما هو الشأن بالنسبة للجنة الإقليمية، التي كلفت برفع تقرير شهري ونصف شهري الى المصالح المركزية, يتضمن تقييم تسيير المشاريع, التي تدخل في إطار البرنامج، بالإضافة إلى المتابعة والتقييم الدوريين، الذين تتكفل بهما مجموعة من الهيئات المركزية, كالمرصد الوطني للتنمية البشرية وباقي الهيئات المحلية.
"والمتابعة" هي عبارة عن مسلسل للتواصل منظم للحصول على انطباع موحد حول سير المشروع على مستوى الفرق التقنية, وعلى مستوى العلاقة بين الفرق ومحيطها, وعلى مستوى تنفيذ المشاريع، كما أن المتابعة عبارة عن تتبع وتقييم لمراحل التخطيط، انطلاقا من المشاركة إلى ملائمة الحاجيات والمشاريع والموارد, إلى التنفيذ إلى مرحلة قياس أثر هذه المشاريع على الساكنة، كما أنها تشمل كذلك، وضع خطة للتواصل يتم من خلالها إخبار الشركاء والسكان بجميع القرارات والمراحل والمستجدات.
وتكمن أهمية المتابعة في الحصول على تقييم من فوق, بتقويم وتدخل دوري وجزئي الواجب القيام به، كعملية لابد منها لتحقيق التقييم النهائي والكلي الذي دعا إليه الخطاب الملكي.
الفقرة الأولى: دور السلطات العمومية:
حيث تضطلع السلطات العمومية بدور أساسي في عمليتي التتبع والتقييم الخاصة بتنفيذ برامج المبادرة، هذا الدور التقييمي، تتفاعل فيه هيئات وهياكل عمومية توظف من قبل كل من الأجهزة التنفيذية العمومية, والأجهزة المنتخبة على المستويين الوطني والمحلي.
أ-الحكومة:
تتجلى أهمية الدور الحكومي في هذه المبادرة, باعتبارها الجهة المكلفة رسميا بتفعيلها ومتابعتها، حيث تم تكييف الوزير الأول بالسهر, على أن تنكب الحكومة على تجسيد هذه المبادرة في دفعتها الأولى ضمن برامج مندمجة وملموسة، كما أن الحكومة مطالبة بتخصيص الموارد البشرية والمالية اللازمة للمبادرة، كما أنها مطالبة أيضا بإنتاج مساطر المنهج التشاركي وتدبير المشاريع , كما يجب إعداد هذه المساطر من قبل الحكومة وفق المقاربة المندمجة، حتى يتسنى لها أن تشمل جميع الأطراف المتدخلة والمهتمة, ويجب أن لا تعد وفق منظور أحد الأطراف الحكومية دون الأخرى، وفي إطار هذه المقاربة المندمجة, فإن الحكومة مطالبة بتقوية قدرات وإمكانيات التعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية وباقي المصالح المركزية والخارجية.
كما أن الحكومة مطالبة, انطلاقا من الخطاب المرجعي دائما، باعتماد المقاربة المندمجة في جميع سياساتها وقراراتها، من خلال تجنبها إلى إصدار قرارات لا تخدم أهداف المبادرة، وبالأخص القرارات التي يمكنها أن تثقل كاهل المواطن البسيط ماديا بما لا يتماشى مع هدف المبادرة، بالعمل على استئصال آفة الفقر والبؤس.
ودعم الحكومة يمتد إلى اعتماد برنامج تأهيلي, وتكويني, ليشمل الفاعلين المؤسساتيين الجمعويين, العاملين الاجتماعيين، المنشطين المربين والمؤطرين، هذا البرنامج الذي يمكن الاعتماد عليه كرافعة بيداغوجية تربوية وتعليمية, بحيث أثره لا يقف فقط عند المبادرة الوطنية، بل إنه يتعداها ليشمل الثقافة, والأداء التنمويين معا, وميادين أخرى، مما يسمح بالتالي تكوين نخبة حقيقية ومؤهلة للإسهام في قيادة المجتمع.
من هنا يتبين لنا من خلال كل ما سردناه، بأن للحكومة دور هام في مجال التنمية الاجتماعية، وذلك بصنع ورسم سياسة اجتماعية تتماشى مع مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، باعتبار هذا الأخير مشروعا تنمويا هادفا، وبالتالي فمسؤولية الحكومة تبقى محورية ومركزية في هذا الإطار.
ب-السلطات المحلية:
كما أن إنجاز وبلورة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومتابعتها كمسؤولية تحملت الحكومة إدارتها، يعول فيها كثيرا على دور السلطات المحلية ابتداءا من الوالي إلى العامل إلى الباشا إلى القائد، فالسلطة المحلية مطالبة من موقعها الهام والحساس بإيجاد الشروط اللازمة للمبادرة، وإعادة تشكيل المحيط المحلي على مستوى الموارد والعمليات بخلق بنية تنموية تنتعش بداخلها المبادرة. هذه البيئة التي يمكن الجزم أنها لن تتشكل إلا في إطار "الحكامة الجيدة" .
كما يجب أن تؤطر تحت مفهوم "الحكامة المحلية", الذي يقتضي من السلطات العمومية أن تعرف كيف تدخل في حوار وشراكة مع الفاعلين الآخرين، من منتخبين وكذا الجماعات المحلية، بحيث أن دور المنتخبين والجماعات المحلية بخصوص المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, تتجلى من موقعهم كمسؤولين عن الرقعة الجغرافية ومجالها الترابي وكممثلين للسكان بداخلها، وهي نفس الرقعة وكذا نفس الساكنة اللتان تستهدفهما المبادرة، بالإضافة إلى وجود نشاط تنموي محلي تقوده الجماعة خارج المبادرة، هذا زيادة على أن المنتخبين والجماعات المحلية هما مكونان رئيسيان وفعالان داخل اللجان المحلية للمبادرة وداخل هياكلها، وأنهما المعنيان الرئيسيان والمكلفان بكثير من برامج المباردة ومشاريعها.
الفقرة الثانية: دور المجتمع المدني:
يمثل المجتمع المدني أهمية مركزية داخل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، انطلاقا من الخطاب المرجعي لها (خطاب 18 ماي 2005)، وبالتالي وجب إلقاء الضوء عليه بشكل موجز عن مدى تموقعه وقوته داخل السيرورة التنموية, وعلاقته بالدولة, والدور المنوط به من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فالمجتمع المدني والدولة ليسا مفهومان متقابلان، بل هما متلازمان ومتكاملان، فلا يمكن أن ينهض المجتمع المدني ويؤدي دوره، بدون وجود دولة قوية، تقوم على مؤسسات دستورية ممثلة تمثيلا حقيقيا, وتعمل على فرض القانون، كما أنه من الصعب تصور دولة قوية يلتف حولها أغلبية المواطنين بدون مجتمع مدني بسندها.
وبالتالي فإن مكونات المجتمع المدني متعددة تتضمن المؤسسات الإعلامية الصحافية، المؤسسات المحلية السكنية، جمعيات الآباء المعلمين، جمعيات أعمال القطاع العام، وعدد كبير من المؤسسات غير الرسمية، والتي تكون خارج القطاع العام، حيث يشكل المجتمع المدني الرأسمال الاجتماعي، فمؤسسات المجتمع المدني من الأولى أن تكمل دور الحكومة في تحقيق التنمية المستدامة إضافة إلى دور القطاع الخاص.
فبالنسبة " للقطاع الخاص" فقد أصبح يضطلع بأهمية محورية داخل عملية التنمية، ويمكن القول بأنه يشكل العمود الفقري للتنمية في جل دول العالم، بحيث أكدت العديد من الدراسات على وجود علاقة يمكن وصفها بالإيجابية, بين أنشطة القطاع الخاص والنمو الاقتصادي، وأن تأثير استثمارات القطاع الخاص على النمو يفوق بكثير استثمارات القطاع العام، وانطلاقا من هذا الإطار فإن القطاع الخاص, يعتبر شريكا داخل المبادرة الوطنية, حيث يمكن القول بأنه يتموقع بداخلها في ثلاث مستويات: التمثيل, والتكفل بمجموعة من مشاريع المبادرة, والاستثمار فيها وكذا الاستفادة من تمويلاتها, ومن السلطات الصغرى التي تؤطرها الجمعيات.
ولعل مشاركة القطاع الخاص في إنجاز وتنفيذ مشاريع المبادرة، سوف لن يجعله فقط محل متابعة ومراقبة وتقييم، بل إنه مطالب أن يقوم كذلك بعملية المتابعة والتقييم للبرامج المنجزة.
إضافة إلى كل ما سردناه، نجد أيضا مساهمة "النسيج الجمعوي" في عملية التنمية بحيث أصبحت مشاركة السكان والنسيج الجمعوي, ضمن المجتمع المدني مطلبا عالميا في جل دول العالم سواء المتقدمة منها أو السائرة في طريق النمو.
فدور مؤسسات المجتمع المدني، لا يقل شأنا عن دور القطاع الحكومي أو دور القطاع الخاص, في المساهمة في تحقيق التنمية الشمولية للمجتمع، وإدامة تلك التنمية لرفع مستوى معيشة الأفراد وتقليص حدة الفقر، وتحسين مستوى الرفاه الاجتماعي والصحي والتعليمي، من خلال تقديم الخدمات العديدة للأفراد والمجتمع في مواقعهم المختلفة, سواء في المدينة أو في الأرياف أو المناطق النائية غنية كانت أو فقيرة. ويمكن تحديد أدوار النسيج الجمعوي على مستويين أو موقعين اثنيين في متابعة تنفيذ المبادرة وتقييم أدائها:
أولا: دورا لنسيج الجمعوي في المتابعة على مستوى التمثيل داخل المبادرة:
حيث أن النسيج الجمعوي حاضر في جميع هيئات المبادرة ولجانها على المستويين المركزي والمحلي، فهو ممثل باللجان المحلية المكلفة بتنزيل برنامج محاربة الفقر وبرنامج محاربة الإقصاء، كما أنه ممثل باللجان الجهوية الملكفة ببرنامج محاربة الهشاشة الاجتماعية، فمن خلال هذه المواقع، فإنه مسؤول عن متابعة أشغال المبادرة من خلال المهام المتعددة الموكولة إليه.
ثانيا: دور النسيج الجمعوري في المتابعة على مستوى التمثيل خارج أجهزة المبادرة :
حيث أنه بإمكان النسيج الجمعوي القيام بأدوار مركزية في تفعيل المبادرة كالتأطير والخبرة والدعم للسكان المستفيدين، هذه الأدوار يمكن أن يقوم بها كذلك وهو ممثل ضمن هياكل المبادرة في موقع التسيير، كما يمكنه القيام بها وهو خارج الهيكلة.
ولكنه يبقى ضمن مشروع المبادرة أي أن يكون صاحب مشروع من ضمن مشاريع المبادرة ومن ضمن المستفيدين منها أيضا.
وفي ختام هذا المحور يمكن القول في الأخير وفي إطار الموضوع الذي بين أيدينا, أن " السياسة الاجتماعية من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، تبين لنا أن صنع السياسة العامة لا يمكن أن تتخذ مسارها الصحيح دون وجود أكثر من فاعل، من جهاز حكومي وسلطات محلية، وكذا المنتخبين والجماعات المحلية ومجتمع مدني من قطاع خاص ونسيج جمعوي ...إلخ
الخاتمة:
وخلاصة القول، يمكن أن نقول بأنه لا يستقيم الحديث عن التنمية إلا بارفاقها بالإنسان، وجعل هذا الأخير محورها الرئيسي، ومركزها الأساسي من داخل كليتها العامة، فالإنسان هو أداة وغاية التنمية، حيث تعتبر التنمية البشرية النمو الاقتصادي ووسيلة لضمان الرفاه للسكان.
والتنمية البشرية, تتحقق من خلال جملة من المعطيات والأوضاع والديناميات التي تتفاعل مع مجموعة من العوامل والمدخلات المتعددة والمتنوعة, من أجل الوصول إلى تحقيق تأثيرات وتشكيلات معينة في حياة الإنسان وفي سياقه المجتمعي، وهي حركة متصلة تتواصل عبر الأجيال زمانا وعبر المواقع الجغرافية والبيئية على كل هذا الكوكب.
ومن المرتكزات الأساسية التي يجب أن تقوم عليها التنمية البشرية, هو أن تنطلق من قناعة راسخة تتجلى في كون أن التنمية المستدامة لن تتحقق إلا بسياسات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة، ومشروع شامل، وتعبئة قوية متعددة الجبهات تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية....
ومن أسسها أيضا سلك خيار الانفتاح كدعامة أساسية للانخراط في عالم يعرف تحولات سريعة وعميقة، كما تستوجب كذلك استخلاص العبر والدروس من التجارب التنموية السابقة ومن النماذج الموفقة لبعض البلدان.
إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها في الخطاب الملكي المؤرخ في 18 ماي 2005، بالإمكان اعتبارها حدثا مجتمعيا له أكثر من دلالة، سواء على المستوى السياسي، الاقتصادي أو الاجتماعي.
فعلى المستوى السياسي، فإن حدث المبادرة أصبح البرنامج السياسي الرسمي المطلوب من الفاعل السياسي التعامل معه بإيجابية، لأنه يشكل المقياس الموضوعي للاهتمام بإشكالات المعضلة الاجتماعية بالمغرب.
وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي فإن السياسات العمومية المعتمدة اتسمت بالمحدودية، وبتعدد الفاعلين العموميين خاصة في المجال الاجتماعي، وكذا تعدد اشكال التدخل والدعم مما أفضى إلى محدودية في النتائج وهدر للطاقات والموارد.
وعلى المستوى المجتمعي فنظرا للنقص الحاصل على مستوى المؤشرات الاجتماعية التي طالت ميادين متعددة أصبح معهما خارج برنامج متكامل ومتناسق وشمولي، ومؤسس على مقاربات حديثة ضرورة ملحة لمطامح مجتمع، أصبحت فيه البطالة والفقر والتهميش والاقصاء والأمية وهلم جرا بشكل كبير.
"لقد جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كرهان للتأهيل المجتمعي على أساس مرجعي مفاده "أن الإنسان هو أثمن راسمال في التنمية"، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة التعرض لمختلف الجوانب المؤسسة لها، بدءا من مفهومها المرجعي؟ وسياقاتها الخارجية والداخلية؟ ومرتكزاتها وآليات تفعيلها على أرض الواقع؟
ومن خلال هذه التوطئة ارتأينا ان نتناول الموضوع الذي بين أيدينا وفق تصميم ومنهجية علمية على الشكل التالي:
بحيث سنتناول في مبحث أول، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية السياق العام، في مبحث ثان سنخصصه للوسائل والآليات الممكنة لتفعيل المبادرة.
المبحث الأول: السياق العام للمبادرة الوطنية
للتنمية البشري:
يستدعي التعرف على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وضعها في السياق العام الذي برزت فيه، وهذا الأمر يبقى محكوما بمستويين، مستوى خارجي، أو الدولي ثم مستوى وطني أو الداخلي، كون أن مختلف الظواهر السياسية الاقتصادية والاجتماعية رهينة بهذين المستويين، لأن مسالة الفصل بينهما أمر في غاية الصعوبة، لذلك فان المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هي الآخر لا تخرج عن التأثير المتبادل بين كل من المعطى الخارجي والمعطى الداخلي، ولذلك ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين بحيث سنخصص (المطلب الأول) للسياق الخارجي للمبادرة وفي (مطلب ثاني) سنتناول فيه عناصر السياق الداخلي.
المطلب الأول: السياق الخارجي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
لقد كان مفهوم التنمية البشرية إلى حدود سنة 1990 قاصرا على ما يحصل عليه الإنسان أو الفرد من خدمات مادية، ولكن مع سنة 1990، أصبح مفهوم التنمية البشرية مرتبطا بالإنسان كصانع للتنمية وهدفا لها، وقد تبنى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لسنة 1990 مفهوم التنمية البشرية، حيث يقوم هذا المفهوم على "أن البشر هم الثروة الحقيقية للأمم وأن التنمية البشرية هي عملية توسيع اختيارات البشر" فكما أن التنمية البشرية مرتبطة بالوضع السياسي للإنسان المتمثل في الديمقراطية، فهي مرتبطة بوضعه الاقتصادي والاجتماعي كذلك.
وقد عرف مفهوم التنمية تطورا متدرجا من مفهوم التنمية إلى مفهوم التنمية المستدامة, الذي تبلور اثناء مؤتمر (ستوكهولم سنة 1972) الذي تناول البيئة وعلاقتها بالفقر وغياب التنمية في العالم، ثم جاءت بعدها حلقة (بلغراد 1975) التي دعت إلى تشجيع البحوث العلمية عن طريق التنمية المستدامة، ثم مؤتمر (تبلسي سنة 1977) الذي أكد على تطوير التعليم البيئي ثم (قمة البرازيل).
وبالرغم من رفع شعار " التنمية المستدامة " والتأكيد على دور البحث العلمي والتعليم في تحقيقها، فانه ظل قاصرا، إذ ظل معدل النمو الاقتصادي متذبذبا في مستويات متدنية. ولذلك فقد تمت بلورة مفهوم التنمية البشرية الذي ينطلق من العناية بالإنسان, وفق سياسات تنموية اجتماعية شاملة لجميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, لتحقيق الرفاهية والكرامة لكل الناس في إطار التنمية والديمقراطية وتحقيق العدالة الشاملة المرتكزة على مفهوم حقوق الإنسان وذلك كله في سياق الحفاظ على العنصر الطبيعي وترشيده.
وفي هذا الإطار جاء مفهوم التنمية البشرية، حيث عرفه تقرير التنمية البشرية في مطلع التسعينيات بأنه:
1-عملية توسيع لخبرات الناس بزيادة القدرات البشرية.
2-عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية, تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية الناس.
3-أن يعيش الناس حياة طويلة وصحية، وأن يكونوا مزودين بالمعرفة وأن يكون بإمكانهم الحصول على المواد اللازمة لمستوى معيشي لائق.
لقد اصبح موضوع التنمية البشرية يفرض نفسه كتوجه دولي، بحيث أصبح هاجس لدى مجموعة من القوى الدولية الفاعلة، حيث سار من الضروري توافق الأهداف الوطنية مع القواعد والأهداف الدولية, في جوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل أصبح ذلك يشكل أيضا التزاما وطنيا لدى المنظمات الدولية، خصوصا على مستوى الأمم المتحدة ومنطماتها الفرعية, مما سيجعل الوفاء بهذا الالتزام أمر لابد منه.
وعلى ضوء كل ما سبق يمكن القول بأن موضوع التنمية البشرية يجد جانبا من مرجعيته وقوة حضوره في المواثيق الدولية, سواء في الجوانب السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية.
إلا أن البعد الدولي للتنمية، لا يقلل مع ذلك من أهمية استحضار المعطيات الداخلية في التعاطي الجدي مع إشكالات المعضلة الاجتماعية، وستشكل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها في الخطاب الملكي في شهر ماي من سنة 2005 إطارا موضوعيا للتعاطي مع هذه المعضلة.
المطلب الثاني: السياق العام الداخلي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
لقد أثارت التقارير الصادرة حول التنمية البشرية, نقاشا داخليا واسعا بالمغرب حول مدى قدرة الأخير على مواكبة الازدهار والتطور الإنسانيين، وقد عمد المغرب منذ عدة سنوات إلى إخراج مجموعة من البرامج الاجتماعية التي كانت تهدف إلى الرقي بالمؤشرات الاجتماعية.
وتأتي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها بمبادرة ملكية بتاريخ 18 ماي 2005، كمحاولة لتجاوز آثار الإشكالية الاجتماعية في إطار مقاربات جديدة ومختلفة، وكبديل عن البرامج السابقة المحدودة التوجه، والتي لم تأخذ بعين الاعتبار متطلبات المجتمع الأساسية .
وقد حدد الملك أهدافها ومراميها، مجسدا روحها وفلسفتها واليات تنفيذها وأجرأتها في خطابه يوم 20 غشت 2005.
فقد اعتبر ترتيب المغرب ضمن المراكز المتأخرة في ترتيب برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية لسنة 2005 بتنموقعه في المرتبة 124 من بين 177 دولة وتصنيفه من ضمن الدول ذات تنمية بشرية متوسطة, بالمؤشر الرئيس للأزمة الاجتماعية التي تعيشها المغرب اعتبارا لعدة مقاييس منها :
1-متوسط العمر
2-مستوى التعليم
3-مستوى الدخل الفردي
4-كيفية توزيع الشروط
وقد ارتبطت المبادرة بسياق دولي يرتبط أساسا بالتزام المغرب بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية, من أجل القضاء على براثين الفقر والجوع من جهة، ومن جهة ثانية التزامه بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتعهد باحترام بنود إعلان 1948 لحقوق الإنسان.
وقد اعتبر تقرير الخمسينية بمثابة تنبيه إلى ما ستؤول إليه الأوضاع الاجتماعية خصوصا في السنوات المقبلة, إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة ومن بين الأسباب الداخلية نذكر منها:
-تدهور الأوضاع الاجتماعية وتتجلى في مجموعة من المؤشرات التي تتعلق بالأصعدة التالية:
1-هاجس المعرفة والمستوى المتدني للتعليم (الأمية 42.7%)
2-ارتفاع نسبة الفقر (14.3% يعيشون تحت عتبة الفقر)
3-تدني مستوى الصحة (الميزانية المخصصة لا تتجاوز 5.4%)
4-التصدي لآفة التطرف والإرهاب
5-النمو الديمغرافي السريع
6-النمو الاقتصادي المتوسط
وهذا الأخير يسجل عدم القدرة على الحاجيات الاجتماعية التي تتطور في ظل ارتفاع نسبة البطالة والإقصاء وعدم التستقرار الاجتماعي, الذي يؤدي إلى تفشي مجموعة من الظواهر الاجتماعية السلبية كالدعارة, والانحراف ومجموعة من الأمراض الفتاكة.
-عجز السياسات الاجتماعية التي كانت تتسم بسياسة الإنزال والابتعاد عن نهج الإشراك والانفتاح والإدماج، مما يجعلها بمثابة برامج تقليدية وقديمة، محدودة وفاشلة, تعتمد على سياسة الانعزالية وضعف التنسيق خصوصا بين القطاعات الوزارية.
وخلاصة لهذا المحور يمكن القول بأن النقص الحاصل على مستوى المؤشرات الاجتماعية التي طالت ميادين متعددة، أصبح معها إخراج برنامج متكامل ومتناسق وشمولي، ومؤسس على مقاربات حديثة ضرورة ملحة لمطامح المجتمع أصبحت فيه البطالة والفقر والإقصاء والتهميش والأمية متفشية بشكل كبير.
المبحث الثاني: الوسائل والآليات الممكنة لتفعيل المبادرة
الوطنية للتنمية البشرية:
إن البرنامجين العمودي والأفقي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية, واللذين يعتبران التجسيد الإجرائي لأهدافها العامة والمتمثلة بالخصوص في الرفع من مؤشر التنمية البشرية, والحد من آثار المعضلة الاجتماعية، يحتاجان في الواقع العملي لآليات ووسائل للتنفيذ والمتابعة والتقييم.
ويمكن القول بأن الأهمية الاستراتيجية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية, ترتبط بشكل أولي وأساسي بالآليات الموظفة لعمليتي التفعيل والتنفيذ، أما على مستوى المتابعة والتقييم، فإن جملة من الآليات والوسائل اعترف بها لكل المستويات والهيئات المتدخلة في أجرأة المبادرة، سواء أكانت سلطات عمومية (الحكومة والسلطات المحلية)، أو كانت ممثلة للمنتخبين والجماعات المحلية، أو كانت مكونة للمجتمع المدني، بما يفرضه ذلك من استحضار لدور كل من القطاع الخاص والنسيج الجمعوي.
وانطلاقا من كل هذا، فقد ارتأينا تناول هذا المبحث من خلال تقسيمه إلى مطلبين رئيسيين:
المطلب الأول: آليات ووسائل تفعيل المبادرة:
يرتكز تنفيذ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على آليتين رئيسيتين، وهما آليتي المقاربة التشاركية والمقاربة المندمجة، وإذا كانت المقاربة التشاركية آلية تجديدية في ثقافة تدبير السياسات العمومية للمبادرة الوطنية، فإن المقاربة المندمجة بالإمكان اعتبارها آلية توحيدية لمختلف المتدخلين المعنيين بتفعيلها.
الفقرة الأولى: المقاربة التشاركية:
بالإمكان تحديد الوظائف الأساسية للمقاربة التشاركية، حيث تتجلى في الوظيفة الديمقراطية والوظيفة البيداغوجية والوظيفة التدبيرية، فالاهتمام بالشأن العام والعناية به ليس حكرا على الدولة وأجهزتها المركزية والخارجية، بل إن أطراف أخرى تساهم بصورة أو بأخرى في صياغته والتأثير فيه، كالصحافة والأحزاب السياسية والمنتخبين، والنسيج الجمعوي والنقابات والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والثقافية ومن المجتمع المدني عموما.
إن تطبيق المقاربة التشاركية على المستوى المركزي, تعتبر مسألة أولية وسابقة, كونها مرتبطة بالالتزامات الدستورية والقانونية والسياسية، لكن التطبيق المأمول هو توسيع تطبيق المقاربة التشاركية على المستوى اللامركزي بشكل واسع وعلى جميع المستويات أثناء تطبيق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وذلك تجسيدا لمفهوم الحكامة اللامركزية.
كما أن تطبيق المقاربة التشاركية يعمل على الاستجابة لمطالب الساكنة في الرفع من مستوى أوضاعها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.
كما أنه في إطار الجمع بين " المقاربة التشاركية " و"مقاربة النوع" باعتبارها مطلبا ديمقراطيا لابد منه، يجب أن ينطلق من قناعة علمية ,أخلاقية بدور المرأة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، فتأهيل المرأة ثقافيا وعلميا واجتماعيا، واقتصاديا، هو تأهيل بدون شك للمجتمع، ومنطلق أساسي.
وبذلك فإشراك المرأة في لجان المبادرة ومشاريعها، يجب أن تحظى فيه المرأة بنوع من الندية في الرأي واتخاذ القرار والمتابعة والتفعيل والتقييم والتقويم.
وتكمن أهمية المقاربة التشاركية كذلك من الناحية البيداغوجية في فكرة مركزية وجوهرية، وهي أن العمل بالمقاربة التشاركية سواء خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو من خلال العمل التدبيري عموما، يؤدي مجموعة من الوظائف التربوية التأهيلية والوظائف التعليمية والتثقيفية.
ومن هنا يمكن القول بأن الإضافة النوعية للمبادرة تكمن في هذه المنهجية الجديدة للعمل، وأن ترسيخها في العقليات على مستوى الأفراد والجماعات هو الرأسمال الدائم الذي يمكن استخدامه في جميع مستويات التدبير التنموي ولو خارج المبادرة.
وعلى مستوى الوظيفة التدبيرية, فإنه عبارة عن عمليات تسعى إلى أهداف مأمولة وممكنة ومشتركة, تم تحديدها بتشارك مع السكان عن طريق تنظيم معقلن للموارد المالية والبشرية, وفق مناهج شفافة ومظبوطة, بوسائل ناجحة في تحديد الأدوار والمسؤوليات لكل المتدخلين والمستهدفين في إعداد وتنظيم ومتابعة المشاريع التنموية.
وصلاحية المشروع, من عدمها تبقى رهينة بوجود عدة مستويات منها:
1-قابلية انخراط السكان
2-درجة التنظيم والتضامن للساكنة
3-درجة كفاءة الجماعة المكلفة بالمشروع
4-درجة ضرورة إقناع الساكنة بالمشاريع الجديدة والغريبة عليهم
الفقرة الثانية: المقاربة المندمجة:
بالرجوع إلى الخطاب المرجعي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يمكن القول بأنه يقدم لنا شرحا متكاملا للمقاربة المندمجة حيث يؤكد على: "أن التنمية الفعالة والمستدامة لن تتحقق إلا بسياسات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل وتعبئة قوية متعددة الجهات، تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية".
ومن خلال هذا النص, يمكن تحديد المقاربة المندمجة في تعريف يجعلها عبارة عن " سياسات عمومية تندرج ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل وتعبئة قوية متعددة الجهات, وبالتالي فهي مقاربة تشاركية ضد كل المقاربات الانفرادية التي تعمل بمعزل عن القطاعات الأخرى" .
وتأسيسا على ما سبق، فالمقاربة المندمجة تقوم على ثلاثة وظائف وآليات رئيسية ويمكن سردها بشكل مختصر على الشكل التالي:
أ-وظيفة التخطيط المندمج:
تؤدي هذه الوظيفة هدفا استراتيجيا، يتجلى في تحديد المشروع المستقبلي بناءا على الرؤية المستقبلية الاستراتيجية المشتركة والشاملة، حيث يتم التعامل مع العملية التنموية تعاملا استراتيجيا، يرتكز على التخطيط العلمي الذي تندمج في صياغته جميع القطاعات المعنية.
كما أن أهمية التخطيط المندمج تكمن في التحكم في صيرورة العملية التنموية انطلاقا من التشخيص والإعداد، إلى التفعيل والمتابعة والإنجاز والتقييم والتقويم، وبالتالي فإنه يتيح في الأخير إمكانية المساءلة بناءا على تحديد دقيق للمسؤوليات المسبقة لجميع المتدخلين.
ب-وظيفة الترشيد المندمج:
تنطلق هذه الوظيفة من إحدى أهم خاصيات الحكامة, وهما خاصيتا الفعالية والكفاية، فالفعالية لا يمكن تحقيقها دون تكثيف الجهود والتدخل الشامل في العملية التنموية، وفق عملية مدروسة تندرج بدورها ضمن مخطط مدروس، تسمح بتخصيص شامل وواحد للموارد البشرية والإمكانيات المادية والمالية.
إن الاستغلال المشترك والمندمج، يضع الدولة من دون شك أمام ميزانية واحدة وليس أمام ميزانيات، كما أنه سيخفف على الإدارة من العبء البيروقراطي التنظيمي.
ج-وظيفة الرصد المندمج:
بحيث تحتاج العملية التنموية إلى رصد مستمر، ابتداءا وعملا وانتماءا، في مرحلة الإعداد على مستوى التشخيص والتحديد، ثم في مرحلة التنفيذ تحتاج إلى رصد مستمر تقييمي وتقويمي دوري، وهذه العملية تحتاج فريقا متكاملا ينظر لها من مختلف التخصصات .
المطلب الثاني: آليات متابعة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
لقد أوكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مجموعة من الأدوار لمختلف مستويات الحكامة من أجل إنجازها، شملت كلا من الحكومة والسلطات المحلية والمتدخلين والجماعات المحلية، وكذلك القطاع الخاص باعتباره حاضر ضمنيا، وكذا النسيج الجمعوي باعتباره ممثلا للمجتمع المدني عموما.
وقد عززت هذه الأدوار بمجموعة من الآليات المتابعة في إطار هياكل وبنيات ومخططات، تنتهي بعمليات التقييم, ثم التقويم الدائمين والمستمرين عبر مراحل دورية, تنطلق من بداية الإنجاز إلى نهايته، كما هو الشأن بالنسبة للجنة الإقليمية، التي كلفت برفع تقرير شهري ونصف شهري الى المصالح المركزية, يتضمن تقييم تسيير المشاريع, التي تدخل في إطار البرنامج، بالإضافة إلى المتابعة والتقييم الدوريين، الذين تتكفل بهما مجموعة من الهيئات المركزية, كالمرصد الوطني للتنمية البشرية وباقي الهيئات المحلية.
"والمتابعة" هي عبارة عن مسلسل للتواصل منظم للحصول على انطباع موحد حول سير المشروع على مستوى الفرق التقنية, وعلى مستوى العلاقة بين الفرق ومحيطها, وعلى مستوى تنفيذ المشاريع، كما أن المتابعة عبارة عن تتبع وتقييم لمراحل التخطيط، انطلاقا من المشاركة إلى ملائمة الحاجيات والمشاريع والموارد, إلى التنفيذ إلى مرحلة قياس أثر هذه المشاريع على الساكنة، كما أنها تشمل كذلك، وضع خطة للتواصل يتم من خلالها إخبار الشركاء والسكان بجميع القرارات والمراحل والمستجدات.
وتكمن أهمية المتابعة في الحصول على تقييم من فوق, بتقويم وتدخل دوري وجزئي الواجب القيام به، كعملية لابد منها لتحقيق التقييم النهائي والكلي الذي دعا إليه الخطاب الملكي.
الفقرة الأولى: دور السلطات العمومية:
حيث تضطلع السلطات العمومية بدور أساسي في عمليتي التتبع والتقييم الخاصة بتنفيذ برامج المبادرة، هذا الدور التقييمي، تتفاعل فيه هيئات وهياكل عمومية توظف من قبل كل من الأجهزة التنفيذية العمومية, والأجهزة المنتخبة على المستويين الوطني والمحلي.
أ-الحكومة:
تتجلى أهمية الدور الحكومي في هذه المبادرة, باعتبارها الجهة المكلفة رسميا بتفعيلها ومتابعتها، حيث تم تكييف الوزير الأول بالسهر, على أن تنكب الحكومة على تجسيد هذه المبادرة في دفعتها الأولى ضمن برامج مندمجة وملموسة، كما أن الحكومة مطالبة بتخصيص الموارد البشرية والمالية اللازمة للمبادرة، كما أنها مطالبة أيضا بإنتاج مساطر المنهج التشاركي وتدبير المشاريع , كما يجب إعداد هذه المساطر من قبل الحكومة وفق المقاربة المندمجة، حتى يتسنى لها أن تشمل جميع الأطراف المتدخلة والمهتمة, ويجب أن لا تعد وفق منظور أحد الأطراف الحكومية دون الأخرى، وفي إطار هذه المقاربة المندمجة, فإن الحكومة مطالبة بتقوية قدرات وإمكانيات التعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية وباقي المصالح المركزية والخارجية.
كما أن الحكومة مطالبة, انطلاقا من الخطاب المرجعي دائما، باعتماد المقاربة المندمجة في جميع سياساتها وقراراتها، من خلال تجنبها إلى إصدار قرارات لا تخدم أهداف المبادرة، وبالأخص القرارات التي يمكنها أن تثقل كاهل المواطن البسيط ماديا بما لا يتماشى مع هدف المبادرة، بالعمل على استئصال آفة الفقر والبؤس.
ودعم الحكومة يمتد إلى اعتماد برنامج تأهيلي, وتكويني, ليشمل الفاعلين المؤسساتيين الجمعويين, العاملين الاجتماعيين، المنشطين المربين والمؤطرين، هذا البرنامج الذي يمكن الاعتماد عليه كرافعة بيداغوجية تربوية وتعليمية, بحيث أثره لا يقف فقط عند المبادرة الوطنية، بل إنه يتعداها ليشمل الثقافة, والأداء التنمويين معا, وميادين أخرى، مما يسمح بالتالي تكوين نخبة حقيقية ومؤهلة للإسهام في قيادة المجتمع.
من هنا يتبين لنا من خلال كل ما سردناه، بأن للحكومة دور هام في مجال التنمية الاجتماعية، وذلك بصنع ورسم سياسة اجتماعية تتماشى مع مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، باعتبار هذا الأخير مشروعا تنمويا هادفا، وبالتالي فمسؤولية الحكومة تبقى محورية ومركزية في هذا الإطار.
ب-السلطات المحلية:
كما أن إنجاز وبلورة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومتابعتها كمسؤولية تحملت الحكومة إدارتها، يعول فيها كثيرا على دور السلطات المحلية ابتداءا من الوالي إلى العامل إلى الباشا إلى القائد، فالسلطة المحلية مطالبة من موقعها الهام والحساس بإيجاد الشروط اللازمة للمبادرة، وإعادة تشكيل المحيط المحلي على مستوى الموارد والعمليات بخلق بنية تنموية تنتعش بداخلها المبادرة. هذه البيئة التي يمكن الجزم أنها لن تتشكل إلا في إطار "الحكامة الجيدة" .
كما يجب أن تؤطر تحت مفهوم "الحكامة المحلية", الذي يقتضي من السلطات العمومية أن تعرف كيف تدخل في حوار وشراكة مع الفاعلين الآخرين، من منتخبين وكذا الجماعات المحلية، بحيث أن دور المنتخبين والجماعات المحلية بخصوص المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, تتجلى من موقعهم كمسؤولين عن الرقعة الجغرافية ومجالها الترابي وكممثلين للسكان بداخلها، وهي نفس الرقعة وكذا نفس الساكنة اللتان تستهدفهما المبادرة، بالإضافة إلى وجود نشاط تنموي محلي تقوده الجماعة خارج المبادرة، هذا زيادة على أن المنتخبين والجماعات المحلية هما مكونان رئيسيان وفعالان داخل اللجان المحلية للمبادرة وداخل هياكلها، وأنهما المعنيان الرئيسيان والمكلفان بكثير من برامج المباردة ومشاريعها.
الفقرة الثانية: دور المجتمع المدني:
يمثل المجتمع المدني أهمية مركزية داخل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، انطلاقا من الخطاب المرجعي لها (خطاب 18 ماي 2005)، وبالتالي وجب إلقاء الضوء عليه بشكل موجز عن مدى تموقعه وقوته داخل السيرورة التنموية, وعلاقته بالدولة, والدور المنوط به من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فالمجتمع المدني والدولة ليسا مفهومان متقابلان، بل هما متلازمان ومتكاملان، فلا يمكن أن ينهض المجتمع المدني ويؤدي دوره، بدون وجود دولة قوية، تقوم على مؤسسات دستورية ممثلة تمثيلا حقيقيا, وتعمل على فرض القانون، كما أنه من الصعب تصور دولة قوية يلتف حولها أغلبية المواطنين بدون مجتمع مدني بسندها.
وبالتالي فإن مكونات المجتمع المدني متعددة تتضمن المؤسسات الإعلامية الصحافية، المؤسسات المحلية السكنية، جمعيات الآباء المعلمين، جمعيات أعمال القطاع العام، وعدد كبير من المؤسسات غير الرسمية، والتي تكون خارج القطاع العام، حيث يشكل المجتمع المدني الرأسمال الاجتماعي، فمؤسسات المجتمع المدني من الأولى أن تكمل دور الحكومة في تحقيق التنمية المستدامة إضافة إلى دور القطاع الخاص.
فبالنسبة " للقطاع الخاص" فقد أصبح يضطلع بأهمية محورية داخل عملية التنمية، ويمكن القول بأنه يشكل العمود الفقري للتنمية في جل دول العالم، بحيث أكدت العديد من الدراسات على وجود علاقة يمكن وصفها بالإيجابية, بين أنشطة القطاع الخاص والنمو الاقتصادي، وأن تأثير استثمارات القطاع الخاص على النمو يفوق بكثير استثمارات القطاع العام، وانطلاقا من هذا الإطار فإن القطاع الخاص, يعتبر شريكا داخل المبادرة الوطنية, حيث يمكن القول بأنه يتموقع بداخلها في ثلاث مستويات: التمثيل, والتكفل بمجموعة من مشاريع المبادرة, والاستثمار فيها وكذا الاستفادة من تمويلاتها, ومن السلطات الصغرى التي تؤطرها الجمعيات.
ولعل مشاركة القطاع الخاص في إنجاز وتنفيذ مشاريع المبادرة، سوف لن يجعله فقط محل متابعة ومراقبة وتقييم، بل إنه مطالب أن يقوم كذلك بعملية المتابعة والتقييم للبرامج المنجزة.
إضافة إلى كل ما سردناه، نجد أيضا مساهمة "النسيج الجمعوي" في عملية التنمية بحيث أصبحت مشاركة السكان والنسيج الجمعوي, ضمن المجتمع المدني مطلبا عالميا في جل دول العالم سواء المتقدمة منها أو السائرة في طريق النمو.
فدور مؤسسات المجتمع المدني، لا يقل شأنا عن دور القطاع الحكومي أو دور القطاع الخاص, في المساهمة في تحقيق التنمية الشمولية للمجتمع، وإدامة تلك التنمية لرفع مستوى معيشة الأفراد وتقليص حدة الفقر، وتحسين مستوى الرفاه الاجتماعي والصحي والتعليمي، من خلال تقديم الخدمات العديدة للأفراد والمجتمع في مواقعهم المختلفة, سواء في المدينة أو في الأرياف أو المناطق النائية غنية كانت أو فقيرة. ويمكن تحديد أدوار النسيج الجمعوي على مستويين أو موقعين اثنيين في متابعة تنفيذ المبادرة وتقييم أدائها:
أولا: دورا لنسيج الجمعوي في المتابعة على مستوى التمثيل داخل المبادرة:
حيث أن النسيج الجمعوي حاضر في جميع هيئات المبادرة ولجانها على المستويين المركزي والمحلي، فهو ممثل باللجان المحلية المكلفة بتنزيل برنامج محاربة الفقر وبرنامج محاربة الإقصاء، كما أنه ممثل باللجان الجهوية الملكفة ببرنامج محاربة الهشاشة الاجتماعية، فمن خلال هذه المواقع، فإنه مسؤول عن متابعة أشغال المبادرة من خلال المهام المتعددة الموكولة إليه.
ثانيا: دور النسيج الجمعوري في المتابعة على مستوى التمثيل خارج أجهزة المبادرة :
حيث أنه بإمكان النسيج الجمعوي القيام بأدوار مركزية في تفعيل المبادرة كالتأطير والخبرة والدعم للسكان المستفيدين، هذه الأدوار يمكن أن يقوم بها كذلك وهو ممثل ضمن هياكل المبادرة في موقع التسيير، كما يمكنه القيام بها وهو خارج الهيكلة.
ولكنه يبقى ضمن مشروع المبادرة أي أن يكون صاحب مشروع من ضمن مشاريع المبادرة ومن ضمن المستفيدين منها أيضا.
وفي ختام هذا المحور يمكن القول في الأخير وفي إطار الموضوع الذي بين أيدينا, أن " السياسة الاجتماعية من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، تبين لنا أن صنع السياسة العامة لا يمكن أن تتخذ مسارها الصحيح دون وجود أكثر من فاعل، من جهاز حكومي وسلطات محلية، وكذا المنتخبين والجماعات المحلية ومجتمع مدني من قطاع خاص ونسيج جمعوي ...إلخ
الخاتمة:
وخلاصة القول، يمكن أن نقول بأنه لا يستقيم الحديث عن التنمية إلا بارفاقها بالإنسان، وجعل هذا الأخير محورها الرئيسي، ومركزها الأساسي من داخل كليتها العامة، فالإنسان هو أداة وغاية التنمية، حيث تعتبر التنمية البشرية النمو الاقتصادي ووسيلة لضمان الرفاه للسكان.
والتنمية البشرية, تتحقق من خلال جملة من المعطيات والأوضاع والديناميات التي تتفاعل مع مجموعة من العوامل والمدخلات المتعددة والمتنوعة, من أجل الوصول إلى تحقيق تأثيرات وتشكيلات معينة في حياة الإنسان وفي سياقه المجتمعي، وهي حركة متصلة تتواصل عبر الأجيال زمانا وعبر المواقع الجغرافية والبيئية على كل هذا الكوكب.
ومن المرتكزات الأساسية التي يجب أن تقوم عليها التنمية البشرية, هو أن تنطلق من قناعة راسخة تتجلى في كون أن التنمية المستدامة لن تتحقق إلا بسياسات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة، ومشروع شامل، وتعبئة قوية متعددة الجبهات تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية....
ومن أسسها أيضا سلك خيار الانفتاح كدعامة أساسية للانخراط في عالم يعرف تحولات سريعة وعميقة، كما تستوجب كذلك استخلاص العبر والدروس من التجارب التنموية السابقة ومن النماذج الموفقة لبعض البلدان.
رد: مساعدة - مباراة حراس الأمن-
ماشي بالضرورةkadhima كتب:mobarat horass l 2amn rah taykono des sujet 3andhom 3la9a b modawanat sayr et l7awadit toro9iya ... la corruption, l hijra siriya
عميد المستقبل- المشاركات : 317
نقاط : 48406
الجنس :
المدينة : CASABLANCA
العمر : 39
العمل/الترفيه : جامعي
التسجيل : 26/01/2012
رد: مساعدة - مباراة حراس الأمن-
شكرا أخي اذا كان ممكن أيضا شي موضوع على الحكومة الجديدةjawads كتب:المقدمة:
إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها في الخطاب الملكي المؤرخ في 18 ماي 2005، بالإمكان اعتبارها حدثا مجتمعيا له أكثر من دلالة، سواء على المستوى السياسي، الاقتصادي أو الاجتماعي.
فعلى المستوى السياسي، فإن حدث المبادرة أصبح البرنامج السياسي الرسمي المطلوب من الفاعل السياسي التعامل معه بإيجابية، لأنه يشكل المقياس الموضوعي للاهتمام بإشكالات المعضلة الاجتماعية بالمغرب.
وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي فإن السياسات العمومية المعتمدة اتسمت بالمحدودية، وبتعدد الفاعلين العموميين خاصة في المجال الاجتماعي، وكذا تعدد اشكال التدخل والدعم مما أفضى إلى محدودية في النتائج وهدر للطاقات والموارد.
وعلى المستوى المجتمعي فنظرا للنقص الحاصل على مستوى المؤشرات الاجتماعية التي طالت ميادين متعددة أصبح معهما خارج برنامج متكامل ومتناسق وشمولي، ومؤسس على مقاربات حديثة ضرورة ملحة لمطامح مجتمع، أصبحت فيه البطالة والفقر والتهميش والاقصاء والأمية وهلم جرا بشكل كبير.
"لقد جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كرهان للتأهيل المجتمعي على أساس مرجعي مفاده "أن الإنسان هو أثمن راسمال في التنمية"، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة التعرض لمختلف الجوانب المؤسسة لها، بدءا من مفهومها المرجعي؟ وسياقاتها الخارجية والداخلية؟ ومرتكزاتها وآليات تفعيلها على أرض الواقع؟
ومن خلال هذه التوطئة ارتأينا ان نتناول الموضوع الذي بين أيدينا وفق تصميم ومنهجية علمية على الشكل التالي:
بحيث سنتناول في مبحث أول، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية السياق العام، في مبحث ثان سنخصصه للوسائل والآليات الممكنة لتفعيل المبادرة.
المبحث الأول: السياق العام للمبادرة الوطنية
للتنمية البشري:
يستدعي التعرف على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وضعها في السياق العام الذي برزت فيه، وهذا الأمر يبقى محكوما بمستويين، مستوى خارجي، أو الدولي ثم مستوى وطني أو الداخلي، كون أن مختلف الظواهر السياسية الاقتصادية والاجتماعية رهينة بهذين المستويين، لأن مسالة الفصل بينهما أمر في غاية الصعوبة، لذلك فان المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هي الآخر لا تخرج عن التأثير المتبادل بين كل من المعطى الخارجي والمعطى الداخلي، ولذلك ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين بحيث سنخصص (المطلب الأول) للسياق الخارجي للمبادرة وفي (مطلب ثاني) سنتناول فيه عناصر السياق الداخلي.
المطلب الأول: السياق الخارجي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
لقد كان مفهوم التنمية البشرية إلى حدود سنة 1990 قاصرا على ما يحصل عليه الإنسان أو الفرد من خدمات مادية، ولكن مع سنة 1990، أصبح مفهوم التنمية البشرية مرتبطا بالإنسان كصانع للتنمية وهدفا لها، وقد تبنى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لسنة 1990 مفهوم التنمية البشرية، حيث يقوم هذا المفهوم على "أن البشر هم الثروة الحقيقية للأمم وأن التنمية البشرية هي عملية توسيع اختيارات البشر" فكما أن التنمية البشرية مرتبطة بالوضع السياسي للإنسان المتمثل في الديمقراطية، فهي مرتبطة بوضعه الاقتصادي والاجتماعي كذلك.
وقد عرف مفهوم التنمية تطورا متدرجا من مفهوم التنمية إلى مفهوم التنمية المستدامة, الذي تبلور اثناء مؤتمر (ستوكهولم سنة 1972) الذي تناول البيئة وعلاقتها بالفقر وغياب التنمية في العالم، ثم جاءت بعدها حلقة (بلغراد 1975) التي دعت إلى تشجيع البحوث العلمية عن طريق التنمية المستدامة، ثم مؤتمر (تبلسي سنة 1977) الذي أكد على تطوير التعليم البيئي ثم (قمة البرازيل).
وبالرغم من رفع شعار " التنمية المستدامة " والتأكيد على دور البحث العلمي والتعليم في تحقيقها، فانه ظل قاصرا، إذ ظل معدل النمو الاقتصادي متذبذبا في مستويات متدنية. ولذلك فقد تمت بلورة مفهوم التنمية البشرية الذي ينطلق من العناية بالإنسان, وفق سياسات تنموية اجتماعية شاملة لجميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, لتحقيق الرفاهية والكرامة لكل الناس في إطار التنمية والديمقراطية وتحقيق العدالة الشاملة المرتكزة على مفهوم حقوق الإنسان وذلك كله في سياق الحفاظ على العنصر الطبيعي وترشيده.
وفي هذا الإطار جاء مفهوم التنمية البشرية، حيث عرفه تقرير التنمية البشرية في مطلع التسعينيات بأنه:
1-عملية توسيع لخبرات الناس بزيادة القدرات البشرية.
2-عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية, تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية الناس.
3-أن يعيش الناس حياة طويلة وصحية، وأن يكونوا مزودين بالمعرفة وأن يكون بإمكانهم الحصول على المواد اللازمة لمستوى معيشي لائق.
لقد اصبح موضوع التنمية البشرية يفرض نفسه كتوجه دولي، بحيث أصبح هاجس لدى مجموعة من القوى الدولية الفاعلة، حيث سار من الضروري توافق الأهداف الوطنية مع القواعد والأهداف الدولية, في جوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل أصبح ذلك يشكل أيضا التزاما وطنيا لدى المنظمات الدولية، خصوصا على مستوى الأمم المتحدة ومنطماتها الفرعية, مما سيجعل الوفاء بهذا الالتزام أمر لابد منه.
وعلى ضوء كل ما سبق يمكن القول بأن موضوع التنمية البشرية يجد جانبا من مرجعيته وقوة حضوره في المواثيق الدولية, سواء في الجوانب السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية.
إلا أن البعد الدولي للتنمية، لا يقلل مع ذلك من أهمية استحضار المعطيات الداخلية في التعاطي الجدي مع إشكالات المعضلة الاجتماعية، وستشكل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها في الخطاب الملكي في شهر ماي من سنة 2005 إطارا موضوعيا للتعاطي مع هذه المعضلة.
المطلب الثاني: السياق العام الداخلي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
لقد أثارت التقارير الصادرة حول التنمية البشرية, نقاشا داخليا واسعا بالمغرب حول مدى قدرة الأخير على مواكبة الازدهار والتطور الإنسانيين، وقد عمد المغرب منذ عدة سنوات إلى إخراج مجموعة من البرامج الاجتماعية التي كانت تهدف إلى الرقي بالمؤشرات الاجتماعية.
وتأتي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها بمبادرة ملكية بتاريخ 18 ماي 2005، كمحاولة لتجاوز آثار الإشكالية الاجتماعية في إطار مقاربات جديدة ومختلفة، وكبديل عن البرامج السابقة المحدودة التوجه، والتي لم تأخذ بعين الاعتبار متطلبات المجتمع الأساسية .
وقد حدد الملك أهدافها ومراميها، مجسدا روحها وفلسفتها واليات تنفيذها وأجرأتها في خطابه يوم 20 غشت 2005.
فقد اعتبر ترتيب المغرب ضمن المراكز المتأخرة في ترتيب برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية لسنة 2005 بتنموقعه في المرتبة 124 من بين 177 دولة وتصنيفه من ضمن الدول ذات تنمية بشرية متوسطة, بالمؤشر الرئيس للأزمة الاجتماعية التي تعيشها المغرب اعتبارا لعدة مقاييس منها :
1-متوسط العمر
2-مستوى التعليم
3-مستوى الدخل الفردي
4-كيفية توزيع الشروط
وقد ارتبطت المبادرة بسياق دولي يرتبط أساسا بالتزام المغرب بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية, من أجل القضاء على براثين الفقر والجوع من جهة، ومن جهة ثانية التزامه بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتعهد باحترام بنود إعلان 1948 لحقوق الإنسان.
وقد اعتبر تقرير الخمسينية بمثابة تنبيه إلى ما ستؤول إليه الأوضاع الاجتماعية خصوصا في السنوات المقبلة, إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة ومن بين الأسباب الداخلية نذكر منها:
-تدهور الأوضاع الاجتماعية وتتجلى في مجموعة من المؤشرات التي تتعلق بالأصعدة التالية:
1-هاجس المعرفة والمستوى المتدني للتعليم (الأمية 42.7%)
2-ارتفاع نسبة الفقر (14.3% يعيشون تحت عتبة الفقر)
3-تدني مستوى الصحة (الميزانية المخصصة لا تتجاوز 5.4%)
4-التصدي لآفة التطرف والإرهاب
5-النمو الديمغرافي السريع
6-النمو الاقتصادي المتوسط
وهذا الأخير يسجل عدم القدرة على الحاجيات الاجتماعية التي تتطور في ظل ارتفاع نسبة البطالة والإقصاء وعدم التستقرار الاجتماعي, الذي يؤدي إلى تفشي مجموعة من الظواهر الاجتماعية السلبية كالدعارة, والانحراف ومجموعة من الأمراض الفتاكة.
-عجز السياسات الاجتماعية التي كانت تتسم بسياسة الإنزال والابتعاد عن نهج الإشراك والانفتاح والإدماج، مما يجعلها بمثابة برامج تقليدية وقديمة، محدودة وفاشلة, تعتمد على سياسة الانعزالية وضعف التنسيق خصوصا بين القطاعات الوزارية.
وخلاصة لهذا المحور يمكن القول بأن النقص الحاصل على مستوى المؤشرات الاجتماعية التي طالت ميادين متعددة، أصبح معها إخراج برنامج متكامل ومتناسق وشمولي، ومؤسس على مقاربات حديثة ضرورة ملحة لمطامح المجتمع أصبحت فيه البطالة والفقر والإقصاء والتهميش والأمية متفشية بشكل كبير.
المبحث الثاني: الوسائل والآليات الممكنة لتفعيل المبادرة
الوطنية للتنمية البشرية:
إن البرنامجين العمودي والأفقي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية, واللذين يعتبران التجسيد الإجرائي لأهدافها العامة والمتمثلة بالخصوص في الرفع من مؤشر التنمية البشرية, والحد من آثار المعضلة الاجتماعية، يحتاجان في الواقع العملي لآليات ووسائل للتنفيذ والمتابعة والتقييم.
ويمكن القول بأن الأهمية الاستراتيجية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية, ترتبط بشكل أولي وأساسي بالآليات الموظفة لعمليتي التفعيل والتنفيذ، أما على مستوى المتابعة والتقييم، فإن جملة من الآليات والوسائل اعترف بها لكل المستويات والهيئات المتدخلة في أجرأة المبادرة، سواء أكانت سلطات عمومية (الحكومة والسلطات المحلية)، أو كانت ممثلة للمنتخبين والجماعات المحلية، أو كانت مكونة للمجتمع المدني، بما يفرضه ذلك من استحضار لدور كل من القطاع الخاص والنسيج الجمعوي.
وانطلاقا من كل هذا، فقد ارتأينا تناول هذا المبحث من خلال تقسيمه إلى مطلبين رئيسيين:
المطلب الأول: آليات ووسائل تفعيل المبادرة:
يرتكز تنفيذ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على آليتين رئيسيتين، وهما آليتي المقاربة التشاركية والمقاربة المندمجة، وإذا كانت المقاربة التشاركية آلية تجديدية في ثقافة تدبير السياسات العمومية للمبادرة الوطنية، فإن المقاربة المندمجة بالإمكان اعتبارها آلية توحيدية لمختلف المتدخلين المعنيين بتفعيلها.
الفقرة الأولى: المقاربة التشاركية:
بالإمكان تحديد الوظائف الأساسية للمقاربة التشاركية، حيث تتجلى في الوظيفة الديمقراطية والوظيفة البيداغوجية والوظيفة التدبيرية، فالاهتمام بالشأن العام والعناية به ليس حكرا على الدولة وأجهزتها المركزية والخارجية، بل إن أطراف أخرى تساهم بصورة أو بأخرى في صياغته والتأثير فيه، كالصحافة والأحزاب السياسية والمنتخبين، والنسيج الجمعوي والنقابات والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والثقافية ومن المجتمع المدني عموما.
إن تطبيق المقاربة التشاركية على المستوى المركزي, تعتبر مسألة أولية وسابقة, كونها مرتبطة بالالتزامات الدستورية والقانونية والسياسية، لكن التطبيق المأمول هو توسيع تطبيق المقاربة التشاركية على المستوى اللامركزي بشكل واسع وعلى جميع المستويات أثناء تطبيق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وذلك تجسيدا لمفهوم الحكامة اللامركزية.
كما أن تطبيق المقاربة التشاركية يعمل على الاستجابة لمطالب الساكنة في الرفع من مستوى أوضاعها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.
كما أنه في إطار الجمع بين " المقاربة التشاركية " و"مقاربة النوع" باعتبارها مطلبا ديمقراطيا لابد منه، يجب أن ينطلق من قناعة علمية ,أخلاقية بدور المرأة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، فتأهيل المرأة ثقافيا وعلميا واجتماعيا، واقتصاديا، هو تأهيل بدون شك للمجتمع، ومنطلق أساسي.
وبذلك فإشراك المرأة في لجان المبادرة ومشاريعها، يجب أن تحظى فيه المرأة بنوع من الندية في الرأي واتخاذ القرار والمتابعة والتفعيل والتقييم والتقويم.
وتكمن أهمية المقاربة التشاركية كذلك من الناحية البيداغوجية في فكرة مركزية وجوهرية، وهي أن العمل بالمقاربة التشاركية سواء خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو من خلال العمل التدبيري عموما، يؤدي مجموعة من الوظائف التربوية التأهيلية والوظائف التعليمية والتثقيفية.
ومن هنا يمكن القول بأن الإضافة النوعية للمبادرة تكمن في هذه المنهجية الجديدة للعمل، وأن ترسيخها في العقليات على مستوى الأفراد والجماعات هو الرأسمال الدائم الذي يمكن استخدامه في جميع مستويات التدبير التنموي ولو خارج المبادرة.
وعلى مستوى الوظيفة التدبيرية, فإنه عبارة عن عمليات تسعى إلى أهداف مأمولة وممكنة ومشتركة, تم تحديدها بتشارك مع السكان عن طريق تنظيم معقلن للموارد المالية والبشرية, وفق مناهج شفافة ومظبوطة, بوسائل ناجحة في تحديد الأدوار والمسؤوليات لكل المتدخلين والمستهدفين في إعداد وتنظيم ومتابعة المشاريع التنموية.
وصلاحية المشروع, من عدمها تبقى رهينة بوجود عدة مستويات منها:
1-قابلية انخراط السكان
2-درجة التنظيم والتضامن للساكنة
3-درجة كفاءة الجماعة المكلفة بالمشروع
4-درجة ضرورة إقناع الساكنة بالمشاريع الجديدة والغريبة عليهم
الفقرة الثانية: المقاربة المندمجة:
بالرجوع إلى الخطاب المرجعي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يمكن القول بأنه يقدم لنا شرحا متكاملا للمقاربة المندمجة حيث يؤكد على: "أن التنمية الفعالة والمستدامة لن تتحقق إلا بسياسات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل وتعبئة قوية متعددة الجهات، تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية".
ومن خلال هذا النص, يمكن تحديد المقاربة المندمجة في تعريف يجعلها عبارة عن " سياسات عمومية تندرج ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل وتعبئة قوية متعددة الجهات, وبالتالي فهي مقاربة تشاركية ضد كل المقاربات الانفرادية التي تعمل بمعزل عن القطاعات الأخرى" .
وتأسيسا على ما سبق، فالمقاربة المندمجة تقوم على ثلاثة وظائف وآليات رئيسية ويمكن سردها بشكل مختصر على الشكل التالي:
أ-وظيفة التخطيط المندمج:
تؤدي هذه الوظيفة هدفا استراتيجيا، يتجلى في تحديد المشروع المستقبلي بناءا على الرؤية المستقبلية الاستراتيجية المشتركة والشاملة، حيث يتم التعامل مع العملية التنموية تعاملا استراتيجيا، يرتكز على التخطيط العلمي الذي تندمج في صياغته جميع القطاعات المعنية.
كما أن أهمية التخطيط المندمج تكمن في التحكم في صيرورة العملية التنموية انطلاقا من التشخيص والإعداد، إلى التفعيل والمتابعة والإنجاز والتقييم والتقويم، وبالتالي فإنه يتيح في الأخير إمكانية المساءلة بناءا على تحديد دقيق للمسؤوليات المسبقة لجميع المتدخلين.
ب-وظيفة الترشيد المندمج:
تنطلق هذه الوظيفة من إحدى أهم خاصيات الحكامة, وهما خاصيتا الفعالية والكفاية، فالفعالية لا يمكن تحقيقها دون تكثيف الجهود والتدخل الشامل في العملية التنموية، وفق عملية مدروسة تندرج بدورها ضمن مخطط مدروس، تسمح بتخصيص شامل وواحد للموارد البشرية والإمكانيات المادية والمالية.
إن الاستغلال المشترك والمندمج، يضع الدولة من دون شك أمام ميزانية واحدة وليس أمام ميزانيات، كما أنه سيخفف على الإدارة من العبء البيروقراطي التنظيمي.
ج-وظيفة الرصد المندمج:
بحيث تحتاج العملية التنموية إلى رصد مستمر، ابتداءا وعملا وانتماءا، في مرحلة الإعداد على مستوى التشخيص والتحديد، ثم في مرحلة التنفيذ تحتاج إلى رصد مستمر تقييمي وتقويمي دوري، وهذه العملية تحتاج فريقا متكاملا ينظر لها من مختلف التخصصات .
المطلب الثاني: آليات متابعة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
لقد أوكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مجموعة من الأدوار لمختلف مستويات الحكامة من أجل إنجازها، شملت كلا من الحكومة والسلطات المحلية والمتدخلين والجماعات المحلية، وكذلك القطاع الخاص باعتباره حاضر ضمنيا، وكذا النسيج الجمعوي باعتباره ممثلا للمجتمع المدني عموما.
وقد عززت هذه الأدوار بمجموعة من الآليات المتابعة في إطار هياكل وبنيات ومخططات، تنتهي بعمليات التقييم, ثم التقويم الدائمين والمستمرين عبر مراحل دورية, تنطلق من بداية الإنجاز إلى نهايته، كما هو الشأن بالنسبة للجنة الإقليمية، التي كلفت برفع تقرير شهري ونصف شهري الى المصالح المركزية, يتضمن تقييم تسيير المشاريع, التي تدخل في إطار البرنامج، بالإضافة إلى المتابعة والتقييم الدوريين، الذين تتكفل بهما مجموعة من الهيئات المركزية, كالمرصد الوطني للتنمية البشرية وباقي الهيئات المحلية.
"والمتابعة" هي عبارة عن مسلسل للتواصل منظم للحصول على انطباع موحد حول سير المشروع على مستوى الفرق التقنية, وعلى مستوى العلاقة بين الفرق ومحيطها, وعلى مستوى تنفيذ المشاريع، كما أن المتابعة عبارة عن تتبع وتقييم لمراحل التخطيط، انطلاقا من المشاركة إلى ملائمة الحاجيات والمشاريع والموارد, إلى التنفيذ إلى مرحلة قياس أثر هذه المشاريع على الساكنة، كما أنها تشمل كذلك، وضع خطة للتواصل يتم من خلالها إخبار الشركاء والسكان بجميع القرارات والمراحل والمستجدات.
وتكمن أهمية المتابعة في الحصول على تقييم من فوق, بتقويم وتدخل دوري وجزئي الواجب القيام به، كعملية لابد منها لتحقيق التقييم النهائي والكلي الذي دعا إليه الخطاب الملكي.
الفقرة الأولى: دور السلطات العمومية:
حيث تضطلع السلطات العمومية بدور أساسي في عمليتي التتبع والتقييم الخاصة بتنفيذ برامج المبادرة، هذا الدور التقييمي، تتفاعل فيه هيئات وهياكل عمومية توظف من قبل كل من الأجهزة التنفيذية العمومية, والأجهزة المنتخبة على المستويين الوطني والمحلي.
أ-الحكومة:
تتجلى أهمية الدور الحكومي في هذه المبادرة, باعتبارها الجهة المكلفة رسميا بتفعيلها ومتابعتها، حيث تم تكييف الوزير الأول بالسهر, على أن تنكب الحكومة على تجسيد هذه المبادرة في دفعتها الأولى ضمن برامج مندمجة وملموسة، كما أن الحكومة مطالبة بتخصيص الموارد البشرية والمالية اللازمة للمبادرة، كما أنها مطالبة أيضا بإنتاج مساطر المنهج التشاركي وتدبير المشاريع , كما يجب إعداد هذه المساطر من قبل الحكومة وفق المقاربة المندمجة، حتى يتسنى لها أن تشمل جميع الأطراف المتدخلة والمهتمة, ويجب أن لا تعد وفق منظور أحد الأطراف الحكومية دون الأخرى، وفي إطار هذه المقاربة المندمجة, فإن الحكومة مطالبة بتقوية قدرات وإمكانيات التعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية وباقي المصالح المركزية والخارجية.
كما أن الحكومة مطالبة, انطلاقا من الخطاب المرجعي دائما، باعتماد المقاربة المندمجة في جميع سياساتها وقراراتها، من خلال تجنبها إلى إصدار قرارات لا تخدم أهداف المبادرة، وبالأخص القرارات التي يمكنها أن تثقل كاهل المواطن البسيط ماديا بما لا يتماشى مع هدف المبادرة، بالعمل على استئصال آفة الفقر والبؤس.
ودعم الحكومة يمتد إلى اعتماد برنامج تأهيلي, وتكويني, ليشمل الفاعلين المؤسساتيين الجمعويين, العاملين الاجتماعيين، المنشطين المربين والمؤطرين، هذا البرنامج الذي يمكن الاعتماد عليه كرافعة بيداغوجية تربوية وتعليمية, بحيث أثره لا يقف فقط عند المبادرة الوطنية، بل إنه يتعداها ليشمل الثقافة, والأداء التنمويين معا, وميادين أخرى، مما يسمح بالتالي تكوين نخبة حقيقية ومؤهلة للإسهام في قيادة المجتمع.
من هنا يتبين لنا من خلال كل ما سردناه، بأن للحكومة دور هام في مجال التنمية الاجتماعية، وذلك بصنع ورسم سياسة اجتماعية تتماشى مع مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، باعتبار هذا الأخير مشروعا تنمويا هادفا، وبالتالي فمسؤولية الحكومة تبقى محورية ومركزية في هذا الإطار.
ب-السلطات المحلية:
كما أن إنجاز وبلورة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومتابعتها كمسؤولية تحملت الحكومة إدارتها، يعول فيها كثيرا على دور السلطات المحلية ابتداءا من الوالي إلى العامل إلى الباشا إلى القائد، فالسلطة المحلية مطالبة من موقعها الهام والحساس بإيجاد الشروط اللازمة للمبادرة، وإعادة تشكيل المحيط المحلي على مستوى الموارد والعمليات بخلق بنية تنموية تنتعش بداخلها المبادرة. هذه البيئة التي يمكن الجزم أنها لن تتشكل إلا في إطار "الحكامة الجيدة" .
كما يجب أن تؤطر تحت مفهوم "الحكامة المحلية", الذي يقتضي من السلطات العمومية أن تعرف كيف تدخل في حوار وشراكة مع الفاعلين الآخرين، من منتخبين وكذا الجماعات المحلية، بحيث أن دور المنتخبين والجماعات المحلية بخصوص المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, تتجلى من موقعهم كمسؤولين عن الرقعة الجغرافية ومجالها الترابي وكممثلين للسكان بداخلها، وهي نفس الرقعة وكذا نفس الساكنة اللتان تستهدفهما المبادرة، بالإضافة إلى وجود نشاط تنموي محلي تقوده الجماعة خارج المبادرة، هذا زيادة على أن المنتخبين والجماعات المحلية هما مكونان رئيسيان وفعالان داخل اللجان المحلية للمبادرة وداخل هياكلها، وأنهما المعنيان الرئيسيان والمكلفان بكثير من برامج المباردة ومشاريعها.
الفقرة الثانية: دور المجتمع المدني:
يمثل المجتمع المدني أهمية مركزية داخل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، انطلاقا من الخطاب المرجعي لها (خطاب 18 ماي 2005)، وبالتالي وجب إلقاء الضوء عليه بشكل موجز عن مدى تموقعه وقوته داخل السيرورة التنموية, وعلاقته بالدولة, والدور المنوط به من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فالمجتمع المدني والدولة ليسا مفهومان متقابلان، بل هما متلازمان ومتكاملان، فلا يمكن أن ينهض المجتمع المدني ويؤدي دوره، بدون وجود دولة قوية، تقوم على مؤسسات دستورية ممثلة تمثيلا حقيقيا, وتعمل على فرض القانون، كما أنه من الصعب تصور دولة قوية يلتف حولها أغلبية المواطنين بدون مجتمع مدني بسندها.
وبالتالي فإن مكونات المجتمع المدني متعددة تتضمن المؤسسات الإعلامية الصحافية، المؤسسات المحلية السكنية، جمعيات الآباء المعلمين، جمعيات أعمال القطاع العام، وعدد كبير من المؤسسات غير الرسمية، والتي تكون خارج القطاع العام، حيث يشكل المجتمع المدني الرأسمال الاجتماعي، فمؤسسات المجتمع المدني من الأولى أن تكمل دور الحكومة في تحقيق التنمية المستدامة إضافة إلى دور القطاع الخاص.
فبالنسبة " للقطاع الخاص" فقد أصبح يضطلع بأهمية محورية داخل عملية التنمية، ويمكن القول بأنه يشكل العمود الفقري للتنمية في جل دول العالم، بحيث أكدت العديد من الدراسات على وجود علاقة يمكن وصفها بالإيجابية, بين أنشطة القطاع الخاص والنمو الاقتصادي، وأن تأثير استثمارات القطاع الخاص على النمو يفوق بكثير استثمارات القطاع العام، وانطلاقا من هذا الإطار فإن القطاع الخاص, يعتبر شريكا داخل المبادرة الوطنية, حيث يمكن القول بأنه يتموقع بداخلها في ثلاث مستويات: التمثيل, والتكفل بمجموعة من مشاريع المبادرة, والاستثمار فيها وكذا الاستفادة من تمويلاتها, ومن السلطات الصغرى التي تؤطرها الجمعيات.
ولعل مشاركة القطاع الخاص في إنجاز وتنفيذ مشاريع المبادرة، سوف لن يجعله فقط محل متابعة ومراقبة وتقييم، بل إنه مطالب أن يقوم كذلك بعملية المتابعة والتقييم للبرامج المنجزة.
إضافة إلى كل ما سردناه، نجد أيضا مساهمة "النسيج الجمعوي" في عملية التنمية بحيث أصبحت مشاركة السكان والنسيج الجمعوي, ضمن المجتمع المدني مطلبا عالميا في جل دول العالم سواء المتقدمة منها أو السائرة في طريق النمو.
فدور مؤسسات المجتمع المدني، لا يقل شأنا عن دور القطاع الحكومي أو دور القطاع الخاص, في المساهمة في تحقيق التنمية الشمولية للمجتمع، وإدامة تلك التنمية لرفع مستوى معيشة الأفراد وتقليص حدة الفقر، وتحسين مستوى الرفاه الاجتماعي والصحي والتعليمي، من خلال تقديم الخدمات العديدة للأفراد والمجتمع في مواقعهم المختلفة, سواء في المدينة أو في الأرياف أو المناطق النائية غنية كانت أو فقيرة. ويمكن تحديد أدوار النسيج الجمعوي على مستويين أو موقعين اثنيين في متابعة تنفيذ المبادرة وتقييم أدائها:
أولا: دورا لنسيج الجمعوي في المتابعة على مستوى التمثيل داخل المبادرة:
حيث أن النسيج الجمعوي حاضر في جميع هيئات المبادرة ولجانها على المستويين المركزي والمحلي، فهو ممثل باللجان المحلية المكلفة بتنزيل برنامج محاربة الفقر وبرنامج محاربة الإقصاء، كما أنه ممثل باللجان الجهوية الملكفة ببرنامج محاربة الهشاشة الاجتماعية، فمن خلال هذه المواقع، فإنه مسؤول عن متابعة أشغال المبادرة من خلال المهام المتعددة الموكولة إليه.
ثانيا: دور النسيج الجمعوري في المتابعة على مستوى التمثيل خارج أجهزة المبادرة :
حيث أنه بإمكان النسيج الجمعوي القيام بأدوار مركزية في تفعيل المبادرة كالتأطير والخبرة والدعم للسكان المستفيدين، هذه الأدوار يمكن أن يقوم بها كذلك وهو ممثل ضمن هياكل المبادرة في موقع التسيير، كما يمكنه القيام بها وهو خارج الهيكلة.
ولكنه يبقى ضمن مشروع المبادرة أي أن يكون صاحب مشروع من ضمن مشاريع المبادرة ومن ضمن المستفيدين منها أيضا.
وفي ختام هذا المحور يمكن القول في الأخير وفي إطار الموضوع الذي بين أيدينا, أن " السياسة الاجتماعية من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، تبين لنا أن صنع السياسة العامة لا يمكن أن تتخذ مسارها الصحيح دون وجود أكثر من فاعل، من جهاز حكومي وسلطات محلية، وكذا المنتخبين والجماعات المحلية ومجتمع مدني من قطاع خاص ونسيج جمعوي ...إلخ
الخاتمة:
وخلاصة القول، يمكن أن نقول بأنه لا يستقيم الحديث عن التنمية إلا بارفاقها بالإنسان، وجعل هذا الأخير محورها الرئيسي، ومركزها الأساسي من داخل كليتها العامة، فالإنسان هو أداة وغاية التنمية، حيث تعتبر التنمية البشرية النمو الاقتصادي ووسيلة لضمان الرفاه للسكان.
والتنمية البشرية, تتحقق من خلال جملة من المعطيات والأوضاع والديناميات التي تتفاعل مع مجموعة من العوامل والمدخلات المتعددة والمتنوعة, من أجل الوصول إلى تحقيق تأثيرات وتشكيلات معينة في حياة الإنسان وفي سياقه المجتمعي، وهي حركة متصلة تتواصل عبر الأجيال زمانا وعبر المواقع الجغرافية والبيئية على كل هذا الكوكب.
ومن المرتكزات الأساسية التي يجب أن تقوم عليها التنمية البشرية, هو أن تنطلق من قناعة راسخة تتجلى في كون أن التنمية المستدامة لن تتحقق إلا بسياسات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة، ومشروع شامل، وتعبئة قوية متعددة الجبهات تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية....
ومن أسسها أيضا سلك خيار الانفتاح كدعامة أساسية للانخراط في عالم يعرف تحولات سريعة وعميقة، كما تستوجب كذلك استخلاص العبر والدروس من التجارب التنموية السابقة ومن النماذج الموفقة لبعض البلدان.
عميد المستقبل- المشاركات : 317
نقاط : 48406
الجنس :
المدينة : CASABLANCA
العمر : 39
العمل/الترفيه : جامعي
التسجيل : 26/01/2012
مواضيع مماثلة
» مساعدة ـ حراس الأمن ـهل في مسلك الشرطة وبالضبط حراس الأمن تتم المنادات عبر دفعات أم لا ؟ وماهي المدة الفاصلة بين دفعة و دفعة
» اجتاز الآلاف من رجال الأمن، صباح أمس الأحد، 4 ابريل 2012 مباراة داخلية، نظمتها المديرية العامة للأمن الوطني للترقي في الرتب بالنسبة إلى كل من حراس الأمن، ومفتشي الشرطة، والضباط.
» إعلان عن مباراة حراس الأمن
» فيما يخص مباراة حراس الأمن
» متى مباراة حراس الأمن إناث?
» اجتاز الآلاف من رجال الأمن، صباح أمس الأحد، 4 ابريل 2012 مباراة داخلية، نظمتها المديرية العامة للأمن الوطني للترقي في الرتب بالنسبة إلى كل من حراس الأمن، ومفتشي الشرطة، والضباط.
» إعلان عن مباراة حراس الأمن
» فيما يخص مباراة حراس الأمن
» متى مباراة حراس الأمن إناث?
موقع الوظيفة العمومية للدعم و المساعدة :: منتدى الوظيفة العمومية :: قسم الاستفسارات المترشحين للمباريات العسكرية :: المترشحين لمباريات التوظيف بالادارة العامة للامن الوطني - Concour De Police
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى